من السهل أن تجد مواضيع مشتركة في البلد الواحد والبيئة الواحدة لكن نادرا ما نحصل على حالة شبيهة بين بلدين، وهو الأمر الذي ينطبق تماما على تونسوالجزائر. أمس فقط حلت الذكرى الثالثة والستون لأحداث ساقية سيدي يوسف. هذه ذكرى ليست فقط للترحم على مجزرة أخرى من مجازر فرنسا الاستعمارية ولكنها تكتسي أهمية خاصة كونها تذكّر بتلاحم وتضامن بطولييْن للشعبين الجزائريوالتونسي في مواجهة الاستعمار. كانت القوات الفرنسية تريد خنق ثورة التحرير الجزائري ومحاولة قطع أية محاولة للتواصل بين الثوار الجزائريين وإخوانهم في القرى الحدودية التونسية، فقصفت تلك البلدة الهادئة، واختارت يوم السوق الأسبوعي بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية، فكانت المجزرة التي امتزجت فيها دماء الشعبين الجزائريوالتونسي، ولكنها جسّدت ملحمة نضال وتضامن قلّ نظيرها في التاريخ. ملحمة النضال والتضامن هذه لم تنقطع منذ الاستقلال إلى اليوم. يكفي أن نراجع مواقف الجزائر ومستوى التعاون مع الشقيقة تونس، حتى أثناء التقلبات السياسية الكبرى التي عرفتها المنطقة، لنعرف ذلك، وتلك الأصوات الناشزة التي تعالت مؤخرا لانتقاد سياسة الجزائر ومحاولة تحميلها مسؤولية فشل التعاون بين دول المغرب العربي لن تؤثر في ذلك. تكفي الإشارة إلى تصريحات وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي مؤخرا، الذي شدّد على أن صفاء العلاقات مع الجزائر «لا يمكن أن تكدّره مواقف غير رسمية لا تلزم تونس في شيء ولا تُلزم إلّا أصحابها»، مشيرا إلى تمسّك بلاده بمتانة العلاقات النابعة من قيم الإخاء والنضال المشترك في ملاحم تاريخية، خطّها أبناء البلدين وستبقى مفخرة ونبراسا للأجيال القادمة. الجزائر تدرك تمام الإدراك أن استقرار تونس من استقرارها، مثلما تدرك أيضا أن مشاكل المنطقة تتطلب تعاونا بين دولها، فقط للتوصل إلى حلول بعيدا عن وصاية وإملاءات خارجية، لن تخدم مصالح شعوب المنطقة.