المهندس بوداودي: شركة تقوم على براءة اختراع تعمل 20 عاما دون منافسة المهندس نميش: الباحث عليه معالجة المشاكل المحلية ليجد من يتبنى ابتكاراته انخرط عديد الشباب المبدعين والمبتكرين في مسعى السلطات العمومية المتجه نحو الاقتصاد المنتج، ورموا بثقلهم في الميدان عن طريق اختراعات استطاعت الحصول على براءة اختراع وطنية ودولية، وحالف الحظ البعض في العثور على شريك حوّل فكرتهم إلى منتوج مصنع أصبح يسوق في الأسواق المحلية وينافس المنتجات المستورد، لكن هناك من بقي ينتظر هذه الفرصة ويبحث عن حاضنة لابتكاره ليس بسبب نقص قيمته الاقتصادية، ولكن بسبب رفض رجال الأعمال المخاطرة، وتفضيل المنتوج المستورد، بالرغم من أن إنشاء شركة على براءة اختراع يمكنها من الإنتاج دون منافسة لمدة 20 عاما وتكون لها الأسبقية في تطوير المنتوج حينما يقلده الآخرين. وقفا شابان في باحة ساحة المركز الدولي للمؤتمرات، لا تفصلهما سوى أمتار صغيرة، كلاهما من الكفاءات الوطنية التي فتحت لها الأبواب للمساهمة في مسعى الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج المتنوع القائم على المعرفة، شابان يافعان يحملان اختراعات وأحلام كبيرة بتحويلها إلى منتجات مصنعة تخدم الاقتصاد الوطني داخليا وخارجيا، وتكون قاطرة الجزائر الجديدة نحو الاقتصاد المعرفي، وبالرغم من تشابه البيئة القادمان منها (مخابر البحث)، إلا أنهما شكلا صورة متناقضة لواقع مرير، يحتاج إلى التسريع بالإصلاحات الاقتصادية التي بادرت بها السلطات العليا للبلاد، وإعادة النظر في العلاقة التي تربط المؤسسات الاقتصادية ومخابر البحث بالجامعات، بشكل يعيد الثقة في الباحث الجزائري واختراعاته ومنحه نفس الفرص والدعم، بالأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات والفوائد الاقتصادية المنتظر تحقيقها من أي اختراع. المُستورد يخنق الابتكارات الشاب الأول هاشمي بوداودي، مهندس زراعي من ولاية ميلة، وقف في زاويته يعرض جهاز ثقب «الملش البلاستيكي الزراعي»، و»الملش» يغطي أكثر من 50 مليون هكتار من الأراضي الزراعية عبر العالم، ويمنع نمو الأعشاب الضارة بحيث يحجب ضوء الشمس عن بذورها ويحافظ على رطوبة التربة من جهة أخرى لأنه يمنع الماء من التبخر، كما أنه يحافظ على حرارة التربة ليلا ما يساعد المزروعات على النمو بسرعة لهذا يقوم أغلب المزارعين خاصة في الجزائر بثقب الملش بطرق ارتجالية بواسطة السكين تتطلب الكثير من الوقت والجهد ويحتاج إلى يد عاملة كثيرة، ما جعل المهندس بوداودي يفكر مثلما قال ل»الشعب» في اختراع جهاز بسيط يدوي الاستعمال خفيف الوزن ورخيص الثمن يقوم عن طريق ميكانيزم خاص بإحداث ثقب متقن أوتوماتيكيا على مستوى الغلاف البلاستيكي، وهذا الجهاز يجعل الزراعة البلاستيكية أسهل ويساهم في تطوير الزراعة وزيادة الإنتاج، خاصة في الصحراء حيث يستحيل الزراعة دون «ملش»، لأن التربة رملية والحرارة مرتفعة، وإذا لم يستعمل الفلاح الغطاء البلاستيكي يكون مجبر على السقي كل يوم لمدة 10 ساعات، ولكن باستعمال هذه التقنية يسقي ساعتين من زمن. وبالرغم من الفوائد المتعددة لهذا الجهاز، إذ يربح الوقت والجهد ولا يكلف كثيرا حيث يمكن أن يصل للفلاح بسعر يقدر ب 1000 دج، لأنه مصنوع من البلاستيك المسترجع، بنسبة 90 ٪، وحصوله على براءة اختراع وطنية وعالمية، إلا أنه مازال يبحث عمن يحتضنه بالرغم من محاولات حثيثة من المبتكر، قام بها مع أصحاب الشركات ورجال الأعمال. ويرى المهندس بوداودي، أن إنشاء مؤسسة وطنية تهتم بمثل هذه الاختراعات كفيل بإخراج آلاف المشاريع من مخابر البحث ومذكرات التخرج، لأن الجزائر تشهد نقصا كبيرا، على حد قوله، في المؤسسات الخاصة التي تهتم بالابتكارات، بل يمكن القول: «إنها منعدمة وأنا من بين الأشخاص الذين اصطدموا بواقع مرير حينما بدأت بالبحث عن مستثمر يتبنى ابتكاري لتحويله إلى منتوج مصنع، لم أجد أي مؤسسة، وجدت فقط من يفضل الاستيراد». واسترسل قائلا: تقربت من أحد رجال الأعمال يستورد المصانع، وعرضت عليه فكرة المشروع، أعجبته الفكرة ولكن قال إنه ليس مستعد للمغامرة رغم أن الأموال متوفرة، ولكن حينما تكون مؤسسة وطنية أمام وجود إرادة سياسية من السلطات العليا للاستثمار في الابتكارات، أكيد ستتبنى المشروع للرفع من المداخيل الوطنية. واعتبر المهندس صندوق دعم المؤسسات الناشئة ب «القرار الجيد»، يزيل عن المخترعين الخوف من طلب قرض بنكي، لأن المؤسسات الناشئة تتميز بمخاطرة كبيرة، وصندوق الدعم لن يبقي المستثمر رهين البنوك في حال فشل المشروع، غير أنه تأسف لغياب مؤسسات تتبنى الاختراع، وتحمي المخترع قانونيا بعد حصوله على براءة الاختراع، وتدعم فكرته حتى تصبح منتج مصنعا. وقال:»يوجد من وصل إلى طريق مسدود، مثل محمد حمور لديه 5 براءات اختراع، هو موظف وليس لديه إمكانيات تسمح له بالاستثمار، بحث عن رجال أعمال، لكن يرفضون المخاطرة، ويفضلون الاستيراد». وأضاف « للأسف رجال الأعمال يجهلون أن الشركة حينما تكون مبنية على براءة اختراع وحدها ستعمل دون منافس لمدة 20 سنة، وتكون لديها السبق في حال نجاح المنتوج وثانيا تكون لديها الفرصة لتطويره وتسبق بذلك المنافسين الذين يحبون تقليدها. فرص كبيرة تضيع». بناء ثقة بين المصنع والجامعة في الجهة المقابلة، وقف المهندس سعيد نميش، أستاذ بكلية الهندسة لجامعة سيدي بلعباس، يعرض اختراعان نتيجة عصارة بحث قام بها رفقة اثنين من الباحثين بمخبر الجامعة، جهاز أول مخصص لتعقيم المساحات بالمدارس، المساجد، سيارات الإسعاف، وحتى قاعات المحاضرات بالجامعات، والمشروع الثاني جهاز تعقيم المواد الطبية بالأوزون، وهو مبتكر حديثا في طريق الحصول على براءة اختراع وطنية وأخرى دولية، من أجل تسويقه حتى خارج الوطن، ومن مميزاته سعره الاقتصادي مقارنة بالجهاز الكلاسيكي ويوفر مساحة تعقيم كبيرة جدا مقارنة ب «الأوتوكلاف» الكلاسيكي ذو مساحة تعقيم صغيرة، وهو ما سيمكن المستشفيات وأطباء الجراحة بحسب المخترع من تعقيم مواد الجراحة في مدة قصيرة جدا. ويقول نميش ل»الشعب»: «تلقينا دعما من المديرية العامة للبحث العلمي، وقد وضعتنا في اتصال مع شركات وطنية، مثل جهاز تعقيم المساحات والهواء تبنته مؤسسة وطنية مختصة في الميتال والبلاستيك، برعاية وزارة الصناعة والمديرية العامة للبحث العلمي، ومعقم الأجهزة الطبية نعمل مع المؤسسة الوطنية «ايني» المختصة في الإلكترونيك بسيدي بلعباس، على تطوير هذا الجهاز، بشراكة مع مخبر البحث للشركة الوطنية». ويعتقد المهندس نميش أن نجاح تحويل الابتكارات إلى منتجات مصنعة، مرهون ببناء علاقة ثقة بين المؤسسات الاقتصادية والجامعة «وهو ما نفتقده اليوم»، على حد قوله: «فالمصنع الجزائري يضع ثقة في المواد المستوردة أكثر من المخترعة في الجزائر، وهذا خطأ كبير، فمثلا جهاز تعقيم المساحات يباع في فرنسا 500 أورو، وهنا 200 أورو، أي بتخفيض 30٪ من تكلفته». وحتى تصل الجزائر ركب الدول المتقدمة في التصنيع، كما الولاياتالمتحدة، الصين، يمكن البدء مثلما قال نميش في نقل تجاربهم وتقليد ما يقومون بصناعته مثلا صناعة سيارات كهربائية، وحينما نصل إلى مستوى القدرة على الاختراع نقوم باختراع منتجات جديدة، لكن الأهم بالنسبة له «هو أن يضع الشباب الثقة في أنفسهم والمبادرة للتعريف بابتكاراتهم لدى الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وحتما إذا وجد المصنع فائدة اقتصادية سيتبنى المشروع»، كما أن الباحث الجزائري مطالب بمعالجة المشاكل المطروحة على المستوى المحلي حتى يكون اختراعه ذو فائدة للجزائر، ولا يجب البحث عن حلول لمشاكل موجودة في الخارج، والجزائر لديه مشاكل كثيرة، مثلا الغازات المنبعثة من المصانع، المحاجر، يمكن أن نجد حلولا لهذه المعضلات على مستوى المخابر. سواهلية: آليات قانونية لتشجيع الابتكار وحمايته يقول أستاذ الاقتصاد، بجامعة الجزائر، الدكتور أحمد سواهلية، «إن المعرفة أصبحت عاملا أساسيا في تطوير الاقتصاد وتقويته، عوض أن يكون الإنتاج بسيطا يمكن أن يكون قويا من خلال استعمال التكنولوجيات الحديثة، وهذه ضرورة لا مفر منها في ظل توسع استعمال هذه التكنولوجيات والأنترنت وغيرها من الوسائل التي أصبحت في متناول الجميع، وهذا ما يجعلنا نذهب إلى استعمال المعرفة وتجسيدها في الاقتصاد». ويرى أنه لا يجب الاكتفاء بتدعيم الشباب وتحقيق أفكارهم في الميدان بالرغم من أن ابتكاراتهم واختراعاتهم قد ترافق إشكاليات المؤسسات الاقتصادية وتحل العديد منها، إلا أن قاعدة المعرفة أوسع من ذلك تنقل إلى استعمال التكنولوجيات وضرورة أن ترافق مخابر البحث العلمي المؤسسات الاقتصادية في إنشاء أفكار جديدة واحتياجات علمية تحتاجها المؤسسات الاقتصادية، وعليه يقول سواهلية: «الجامعات اليوم مطالبة بتطوير البحوث المقدمة على مستواها لاسيما البحث العلمي، وإن تطور كفاءاتها، لأنه للأسف الشديد مازالنا نشهد أبحاثا بعيدة عن إشكاليات المؤسسات الاقتصادية وما تحتاجه من معرفة وتطوير». وأضاف: «مراكز ومخابر البحث مطالبة أن تكون قريبة من المؤسسات الاقتصادية وتعقد معها اتفاقيات وشراكات لإيجاد حلول لإشكالاتها العلمية والتكنولوجية، مقابل أن تستفيد تلك المخابر من إيرادات مختلف المؤسسات الاقتصادية، وتكون الاتفاقيات واضحة في هذا الشأن وألا تكتفي المخابر بالنفقات العمومية والمخصصات من الميزانية للجامعات، لأنه للأسف الشديد مازالت المخابر والجامعات تعتمد على موارد الدولة، وهذا سيرهق الخزينة لذلك مطلوب منها أن تحرر نفسها وتصبح لديها نجاعة اقتصادية وإيرادات من الحلول التي تقدمها للمؤسسات وبالتالي يستفيد الباحثون من هذه الإيرادات والمخابر، وحينها يمكن الارتقاء بالبحث العلمي وجعله منتجا ماليا كذلك وليس علميا فقط». ومن أجل حماية هذه الابتكارات، قال سواهلية: «يجب أن تكون للمخابر شجاعة قانونية لحماية الاختراعات والمنتجات الفكرية كي يستفيد منها فيما بعد الباحثون ولا تضيع أفكارهم أو تصبح متاحة للجميع وتكون محل مشاريع اقتصادية يقوم بها الباحثون مقابل موارد مالية». وشدد على ضرورة وضع الآليات القانونية لتشجيع الابتكارات وحمايتها وتقنينها وجعل لها موارد مالية تستفيد منها المؤسسات الاقتصادية ورجال المال وأصحاب البحوث وبالتالي الفائدة يتقاسمها الجميع وهنا يتطور البحث ويكون الإقبال عليه كبيرا ولا يضيع أي مجهود ذهني وعلمي».