إن الحديث عن عمق الروابط بين الشعبين الجزائريوالتونسي في جميع الميادين خلال الثورة التحريرية الجزائرية يقودنا إلى الحديث بطبيعة الحال عن الشريحة المثقفة في كلا البلدين، إذ لعبت ورقة الطلبة والمثقفين بصفة عامة دورا رياديا بارزا في الكفاح الوطني ضد الاستعمار في البلدين. ولقد كانت بوادر الدعم الطلابي التونسي تعود لمنتصف العشرينات منذ تأسيس حزب نجم شمال افريقيا سنة 1926، ثم الاتحاد العام للطلبة التونسيين سنة 1952 والذي لم تعترف به السلطات الفرنسية إلا سنة 1955، وتسجل لنا مختلف المصادر والشهادات علاقاته الوثيقة مع اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين الذي تأسس في جويلية 1955. لقد أبدى الاتحاد العام للطلبة التونسيين منذ تأسيسه إكبارا لكفاح الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، وأكد على دعمه للطلبة الجزائريين داخل الجزائر وحتى أولئك الموجودين بالقطرالتونسي. ومن صور التضامن الطلابي التونسي مع كفاح الشعب الجزائري تأييدهم لنضال الاتحاد العام للطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 الذي دعا الطلبة الجزائريين الموجودين في جامعات وثانويات الجزائروتونسوفرنسا إلى شنّ إضراب عام وترك مقاعد الدراسة ومقاطعة الامتحانات والدروس. وقد كانت الاستجابة واسعة من قبل الطلبة الجزائريينبتونس لنداء هذا الإضراب الذي كان له صدى كبيرا في إطار الكفاح الثقافي للثورة الجزائرية، ومرد ذلك إلى الجهود المعتبرة التي بذلتها المنظمة الطلابية والسلطات التونسيية على حدّ سواء في احتضان كفاح الطلبة الجزائريين ومساعدتهم في تجاوز الصعوبات المعيشية التي لقيتها الأعداد المتزايدة منهم بتونس. إن مشاركة الطلبة الجزائريينبتونس في إضراب 19 ماي 1956، كان يرمي في غايته إلى مساندة إخوانهم الطلبة المضربين في كل من الجزائروفرنسا، حيث كان الطلبة الجزائريينبتونس في هذا الإطار مهيئين معنويا ومشحونين نفسيا نظرا لأن العديد منهم كانت له مشاركة واسعة في حركة (صوت الطالب) التي كانت تخوض النضال ضد الاستعمار الفرنسي في تونس، ولم يكن هناك تمييز بين الطالب الجزائريوالتونسي والمغربي والليبي، فالهدف كان واحدا وهو تصفية الاستعمار في كل قطر من أقطار المغرب العربي. في هذا الصدد، نالت الحركة الطلابية الجزائرية التي أضربت بتونس نصيبا من التقدير والدعم من مشايخ جامع الزيتونة، وذلك بإعلان دورة خاصة للطلبة الجزائريين المضربين، في شهر أكتوبر حين يعلن إنهاء الإضراب، لأنه حقّق الهدف المعلن لأجله، وهو التضامن التام مع الثورة وتلبية نداءات جبهة التحرير الوطني. وختاما، فإن سلامة التحليل تقتضي منا القول، إن انضمام الطلبة الجزائريين في تونس إلى إضراب 19 ماي 1956 ساهم في تحولهم من شتاتهم بين جمعيتين أو أكثر إلى وحدة تمثلت في تكوين فرع للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريينبتونس، تمكن من المساعدة الفعّالة في استقبال الطلبة الجزائريين الوافدين من فرنسا، وأولئك الذين وفدوا من الجزائر فارين من جحيم سياسة الأرض المحروقة والمناطق المحرمة.