تحيي الجزائر اليوم الذكرى ال 58 للعيد الوطني للطالب، المصادف ل 19 ماي من كل سنة؛ تمجيدا وتخليدا لتضحيات الطالب الجزائري وإسهامه الكبير في مسيرة تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي. وتستعيد الجامعة الجزائرية بكل فخر واعتزاز، هذه الذكرى التاريخية التي شهدت إضراب الطلبة، الذي عجّل تفضيلهم للكفاح المسلح على مقاعد الدراسة؛ استجابةً منهم لنداء الواجب الوطني. وتحمل هذه المناسبة أكثر من دلالة ومغزى في تاريخ المسيرة النضالية التي خاضها الطلبة جنبا إلى جنب مع المجاهدين؛ حيث أخرجت معاناة ونضال هذه الشريحة المثقفة من السر إلى العلن، واختارت سبيل الكفاح من أجل تغيير الواقع المرير الذي كانت تحياه، والتطلع لتحسين أوضاعها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي كانت تحياها في تلك الفترة. وكان إضراب الطلبة يوم 19 ماي 1956 وامتناعهم عن الالتحاق بالدراسة، إحدى الدلالات التي رسّخت قناعة ضرورة المشاركة في محاربة الاستعمار الفرنسي، لاسيما بعد تأسيس الاتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين يوم 04 جويلية عام 1955، الذي مهّد لتنظيم هذا الإضراب التاريخي، وأسّس لأرضية مطالب وشروط، كان من بينها ضرورة استقلال الجزائر بلا شروط، ومطالبة الإدارة الاستعمارية بفتح أبواب المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني. وبرهن هذا القرار الشجاع على تضامن كافة أفراد الشعب بمن فيهم الطلبة (الطبقة المثقفة) مع الكفاح المسلّح، وأظهر استعداد الجامعة الجزائرية لخوض حرب التحرير ضد الاستعمار؛ مما مكّن قيادة الثورة من الاستفادة من خبرة وتخصصات الطلبة الذين التحقوا بالجبال، وكانوا سندا قويا للثورة طيلة سنوات الحرب. ويمثل عيد الطالب 19 ماي 1956 منعطفا تاريخيا في تاريخ الحركة الطلابية في الجزائر، أثبت من خلاله الطالب الجزائري أنّه عنصر فاعل في الحياة الوطنية والمقاوماتية؛ لكونه استطاع إحداث حركية سياسية، أعطت للعمل الوطني انتشارا واسعا ومصداقية قوية، تُوّج في الأخير بنيل الحرية والاستقلال. وتبقى نضالات الطلبة بالجزائر وخارجها متنوعة إبان ثورة التحرير المجيدة، كانت مساهماتهم في التعريف بالقضية الوطنية عبر مختلف المنابر، على غرار الإذاعات من خلال الحصص التاريخية التحسيسية والصحف والجرائد، إلى جانب الندوات والمؤتمرات والتجمعات العربية والدولية؛ مما سمح للجزائر بافتكاك مكانة لها ضمن الفعاليات المقامة بالمحافل الدولية. وأمام هذه التضحيات الجسام لشريحة طلبة الأمس، يتطلّب الأمر من طلبة اليوم حمل مشعل أسلافهم، ومواصلة مسيرة نضالهم التاريخية في البناء والتشييد، والمشاركة في إنجاح السياسات الوطنية الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة ودفع عجلة التطور والرقيّ. ويرى المتتبعون لشأن المنظومة الجامعية اليوم، أن المستجدات والرهانات الحالية تستدعي من الطلبة الاتحاد والتواصل فيما بينهم، والتهيكل في قوة فاعلة ودافعة، تكون مؤثرة في مجريات الأحداث الوطنية، وتدفع بالعمل أكثر نحو الاستمرار في طريق البناء والإعمار. كما يتطلّب من الطلبة اليوم أن يضموا جهودهم إلى جهود الخيّرين لخدمة الوطن والدفاع عنه والحفاظ على مصالحه العليا، لاسيما في ظل التهديدات والأخطار التي تتربّص به. ومن هذا المنطلق، تبقى إعادة النظر في تأطير وتنظيم الحركة الطلابية حتمية لا مفرّ منها؛ بالنظر إلى الأهمية البالغة لهذه الشريحة في تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع، وجعلها شريكا أساسيا في الحياة السياسية. ويرى المتخصصون أن الوصول إلى تحقيق هذا الرهان متوقّف على إرادة سياسية حقيقية، تعمل على إشراك جهود كافة المعنيين بهذه المسألة؛ من خبراء ومتخصصين وجامعات ومنظمات وأحزاب.. دون استثناء أو تهميش أي طرف على حساب الآخر؛ لأن النهوض بالجامعة الجزائرية وتطويرها ومن ثم تكوين طلبة قادرين على تحمّل المسؤولية وتجسيدها، متوقّف على مساهمة الجميع، كلٌّ حسب موقعه. كما يقترح البعض ضرورة تكثيف الندوات واللقاءات التحسيسية لفائدة الطلبة؛ بغرض إقناعهم بكونهم رجال الغد، الذين ستُسند لهم مسؤوليات المشاركة في بناء الوطن وصون مصالحه الداخلية والخارجية، وعليه لا بد لجيل اليوم أن يستلهم العبر والدروس من تضحيات جيل الثورة، الذي خلّد بأمجاده تاريخا ثريا بالبطولات والانتصارات.