العودة لتشديد تدابير الحجر لتفادي الأسوأ التنبؤ بتأثيرات الموجة الثالثة مستحيل على عتبة ال1000 يتصاعد منحنى الإصابات الجديدة ليعيد إلى الأذهان سيناريو الموجة الأولى التي تزامنت مع نفس الشهر والفصل من السنة الماضية، التسارع في انتشار العدوى يضع حملة التلقيح محل تساؤل، فعلى مدى سبعة أشهر عجزت مراكز التلقيح عن استقطاب المواطن، وفي نفس الفترة وضع المواطن تدريجيا مع استمرار التخفيف في تدابير الحجر المنزلي قناعه الواقي جانبا، ليعلنها بصفة غير رسمية انتهاء أزمة صحية أرعبت أقوى المنظومات الصحية في العالم، بل أسقطت بعضها بالضربة القاضية. مع تزايد عدد الإصابات بشكل مخيف وجد المواطن نفسه بين مطرقة الخوف وسندان التلقيح، العملية التي تسير ببطيء شديد بالرغم من أنها الحل الأنجع بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية لتجاوز موجة ثالثة مجهولة العواقب بسبب السلالات المتحوّرة، يكاد يجتمع كل المواطنين حول التخوف من التلقيح في غياب معلومات واضحة حوله، خاصة وأن العدد الكبير من المعطيات الطبية متضاربة حول نجاعتها ومضاعفاتها الجانبية. تردد ومخاوف زادها الغموض حدة الأكيد انهم جميعا يتفقون على ضرورة التلقيح للتقليل من أثار التراخي والاستهتار السائد في المجتمع، فبالرغم من تحذيرات الأطباء وتوصياتهم عجز الجزائري عن ارتداء القناع الواقي لحماية نفسه ومحيطه، فان الخطر اليوم يتهدد الصغار، الكبار والشباب، ولن تكفي كلمة «ستّار ربي» لمنع الخطر، لأنه سبحانه من قال «ولا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة» والنبي صلى الله عليه وسلم قال «لا ضرر ولا ضرار» فهنا الضرار نهي عن أذية المؤمن او المسلم او الانسان بصفة عامة، لذلك لا بد من إعطاء الازمة الصحية اطارها الصحيح يلتزم فيه الجميع، ولا يمكن للتعنت في الاستهتار والتراخي ان يقينا أسوأ السيناريوهات الموجودة للموجة الثالثة. في إجابته عن سؤال «الشعب» حول اقتناعه بأخذ جرعة اللقاح، قال كمال 60 سنة:» سجلت نفسي في المنصة الرقمية عند بداية حملة التلقيح لكن لم يتم استدعائي الى يومنا هذا، ورغم انني اعاني امراضا مزمنة كالقلب والسكري، اقتنعت بضرورة التريث من اجل اخذ الجرعة، فتغيير الطريقة التي يقدم بها اللقاح للمواطن يثير أكثر من سؤال، فبالرغم من تأكيد تقريبه الى المواطن، الا انني اشعر نفسيا ان حملة التلقيح بعيدة عني.» أما جمال 40 سنة فقال عن حملة التلقيح ل»الشعب» انه غير معني بها بسبب مناعته القوية بعد اصابته بالعدوى مرتين، مناعته المكتسبة –حسبه-تمنع عنه الدخول في حالة حرجة عند اصابته بالعدوى، فلن يكون فيروس كورونا مخيفا من الان فصاعدا بالنسبة له. وأضاف في سياق حديثه ان حملة التلقيح منذ بدايتها تسير بطريقة محتشمة، حيث صرح قائلا:» لا أدري ما السبب لكن الجميع يرى فيها مغامرة غير محمودة العواقب، فما معنى الا يلقح السلك الطبي والاسلاك التي تتموقع في الصفوف الأولى من حرب الجزائر ضد كوفيد-19، بل حتى مع تحول مستشفياتنا الى بؤر لانتشار العدوى، لم يتلق السلك الطبي جرعات التلقيح، لا يمكن بما كان ربط حملة التلقيح بصيغة الامر او الامر الواقع، فيكفي ان يعي المواطن ضرورته الطبية والصحية حتى يضع تعنته جانبا ويتوجه الى مركز التلقيح الأقرب اليه.» خياطي: المشكل تنظيمي وتحسيسي أكد رئيس الهيئة الوطنية لترقية وتطوير الصحة البروفيسور مصطفى خياطي في اتصال مع «الشعب»، أن الموجة الثالثة التي تعيشها الجزائر ما تزال في بدايتها ولا يمكن توقع ما سيؤول اليه الوضع الوبائي في المستقبل، فالفراغ الذي عشناه على مدى7 أشهر كاملة، حيث كان من المفروض استغلاله في تلقيح أكبر عدد ممكن من المواطنين خاصة الفئات الهشة من المسنين وأصحاب الامراض المزمنة، فهم الشريحة الأهم التي تتعرض الى تعقيدات في حالتها الصحية عند اصابتها بالعدوى، ربما كان بالإمكان تقليص عدد الحالات المعقدة عند بداية الموجة الثالثة، وبالتالي الحد من تأثير الموجة الجديدة على الوضع الوبائي في الجزائر. ولاحظ البروفيسور ان أوروبا بصفة أخص بريطانيا التي تسجل 25 ألف حالة إصابة جديدة في اليوم الواحد، لا تسجل في المقابل سوى 30 حالة وفاة فقط، بالرغم من أنها وطوال مدة 7 أشهر كانت تسجل نفس العدد بصفة مستمرة، مرجعا السبب الى التلقيح الذي لعب دور السد او الحاجز المنيع أمام الحالات الخطيرة والمعقدة، ما قلل بصفة واضحة في عدد الوفيات بالرغم من ارتفاع عدد الإصابات الى عشرات الالاف. وفي مقارنة بسيطة مع الدولة الجارة تونس التي أعلنت رسميا تهاوي منظومتها الصحية امام فيروس كورونا، مست حملة التلقيح فيها عدد أكبر مما هو مسجل في الجزائر، وهو ما اعتبره تقاعسا واضحا في إدارة حملة التلقيح. ولم يرجع التقاعس المسجل الى المواطنين فقط، بل حمّل السلطات المعنية بالحملة جزئا منه، حيث قال البروفيسور في هذا الصدد» لا يتحمل المواطن وحده عبئ التقاعس في حملة التلقيح، فأول مشكل موجود هو فقدان الثقة، فعند انطلاق الحملة تم الإعلان عن منصة رقمية لتسجيل الراغبين في اخذ اللقاح، بالإضافة الى هؤلاء الذين سجلوا أنفسهم في المؤسسات الاستشفائية الجوارية، لكن لم يتم استدعاؤهم لتلقي جرعة اللقاح، ثم علموا عبر مختلف وسائل الاعلام انه بإمكانهم تلقي اللقاح في الساحات العمومية.» وأضاف قائلا:» عندما يكون شخص يتجاوز سنه 75 سنة يطلب منه التوجه الى الساحات العمومية لأخذ اللقاح، وهو لا يدري أصلا كم من الوقت سينتظر في الطابور، ولا يعلم ان كان سيتلقاه ام لا عندما يحين دوره، كل ذلك في جو حار، وهو الرجل المسن»، موضحا في الوقت نفسه انه كان من المفروض استدعاء المسجلين عبر المنصة الرقمية او المؤسسات الاستشفائية الجوارية هاتفيا، لتفادي كل هذه المعوقات.دأما العامل الثاني الذي يحمل السلطات المعنية جزء من مسؤولية التقاعس غياب التحسيس والتوعية، حيث قال» لأول مرة يجد المواطن نفسه امام مرض لديه عدة لقاحات كل لقاح منها تحوم حوله اخبار متضاربة حول فعاليته ونجاعته الطبية، ما خلق حيرة لدى المواطنين وحتى الأطباء، لذلك كان من المفروض ان تقوم وزارة الصحة بحملات توعية وتحسيس لرفع الغموض حول اللقاح وهو ما طالبنا به منذ شهور خلت.» وصرح خياطي انه كان من المفروض إطلاق حملات تحسيسية موجة للأطباء لأنهم الاقدر على اقناع المرضى بأخذ اللقاح، وبسبب ذلك نحن اليوم امام مشكل كبير فمن جهة يجب التسريع في عملية التلقيح ليَمَسَ أكبر عدد ممكن من المواطنين خاصة الفئات الهشة من المسنين ومن يعانون امراضا مزمنة، فهم الأولى بحمايتنا لأنهم يمثلون أكثر من 8ملايين شخص في الجزائر، فاذا استطعنا تلقيحها سنساهم في التقليل بشكل كبير في عدد الوفيات والحالات الحرجة.» واما فيما يتعلق بالدور الذي يمكن للمجتمع المدني ان يقوم به في التحسيس وتوعية المواطن بضرورة التلقيح، صرح خياطي» اننا اليوم ام جائحة عالمية تستدعي تضافر جهود الجميع للحد من اثارها على المجتمع، فنحن اليوم نخوض حربا حقيقية على الجميع وكل الطاقات ان تتجند فيها لمواجهة العدو المجهول «، لذلك لم يستثني المتحدث أحدا من معركة كوفيد-19 سواء كانوا مواطنون، مجتمع مدني، سلك طبي وكل السلطات والجهات المعنية بالأزمة الصحية الاستثنائية. وعن الحملات التحسيسية، أكد البروفيسور ضرورة اختيار وجوه وأسماء مؤثرة على الرأي العام كالرياضيين والفنانين والشخصيات العامة من اجل تسريع حملة التلقيح في الجزائر، من خلال أخذهم لجرعة اللقاح على المباشر ما يساهم في تشجيع مختلف الفئات على التلقيح دون خوف او تردد. وأضاف انه من الضروري ان يكون اللقاح في متناول المواطنين فبقاء المواطن في طابور لساعات ينتظر جرعة اللقاح لن يحل أي مشكل، واعتبر خياطي ان اهم ما يعيق عملية التلقيح مرتبط أساسا بمشكل تنظيمي وتحسيسي. إشراك المخابر الجامعية ضرورة في ذات السياق، نفى البروفيسور استطاعة أي كان التنبؤ بما ستفضي إليه الموجة الثالثة، خاصة وان المعطيات الموجودة لا توضح أي فيروس مسؤول عن العدوى، حقيقة أكد معهد باستور، ان السلالة المتحورة هي سبب انتشار العدوى لكن دون تقديم أي رقم. من المفروض القيام بدراسة جينية بصفة يومية لمعرفة التركيبة الجينية للفيروسات، مقترحا في الوقت نفسه فتح مخابر الجامعات من اجل ان تساهم في هذه العملية لامتلاكها العتاد اللازم من اجل القيام بالدراسة الجينية، لان معهد باستور لا يستطيع القيام بهذه المهمة وحده. بوعمرة: الحجر حل يفرض نفسه أكد الباحث في علم الأوبئة والمختص في الطب الوقائي بمستشفى تيبازة البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة في اتصال مع «الشعب» ان المختصون والأطباء منذ بداية الجائحة في فيفري 2020 يوصون بالتزام الصارم والتام بالإجراءات الوقائية كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي لانهما أنجع الحلول المتوفرة للحد من خطر العدوى خاصة على ضوء ظهور سلالات متحورة زادت الازمة الصحية الاستثنائية تعقيدا. بالإضافة الى بُطء سير عملية التلقيح بسبب ضعف اقبال المواطنين عليها، مشيرا في ذات السياق الى ضرورة تحمل الجميع مسئوليته في احترام الإجراءات الوقائية وكذا التزام الحجر المنزلي في حالة اشتباه أحدهم في اصابته بالعدوى حتى لا يكون سببا في انتشار الفيروس في محيطه. وأضاف البروفيسور الى أن التخفيف في التدابير الاحترازية وإجراءات الحجر المنزلي لا يمنع العودة الى التشديد بسبب ما يعرفه الوضع الوبائي من تطورات، فالتزايد المتسارع لعدد الإصابات الجديدة الذي قارب عتبة ال1000 إصابة يستدعي اتخاذ إجراءات جديدة أكثر تشددا وصرامة في التعامل مع المخالفين لتدابير الحجر المنزلي، كالارتداء الاجباري للقناع الواقي، واحترام التباعد الاجتماعي بالامتناع عن حضور المناسبات المعروفة بالتجمعات الكبيرة كالأعراس والجنائز، وكذا وضع العمل عن بعد في قائمة الحلول لتخفيف التجمعات ومنع تحول المؤسسات الى بؤر لانتشار العدوى. في ذات السياق اقترح بوعمرة تمديد الحجر الصحي الى الثامنة ليلا لتقليل الزيارات العائلية خاصة وأننا مقبلون على عيد الأضحى، المناسبة الدينية التي تعرف تزاورا وتجمعا عائلا مكثفا، لذلك وحتى نتفادى الأسوأ على السلطات المعنية اتخاذ قرارات حاسمة وصارمة تتعلق بتدابير احترازية مشددة مرتبطة بالحجر المنزلي، من اجل التقليل من توافد المرضى على المستشفيات. في الوقت نفسه، أكد المتحدث انه ضد الحجر الصحي الشامل لأن الجزائر اليوم تعيش مرحلة التعايش مع المرض، لذلك لا يجب الخلط بين الحجر الصحي واتخاذ تدابير احترازية مشددة من اجل تطبيق أكبر للإجراءات الوقائية، خاصة ارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي. ونصح بوعمرة الأشخاص الذين يعانون من أعراض كوفيد-19 خاصة الحمى بتفادي الزيارات العائلية وان يحترموا إجراءات التباعد الاجتماعي في عيد الأضحى، من خلال البقاء في حجر منزلي على الأقل لمدة 10 أيام لمنع نقل العدوى للمحيط العائلي الذي غالبا ما يكون أحد أهم بؤر انتشار المرض، حتى لا ينهار المحيط العائلي بسبب انتشار الفيروس وسطها. أما فيما يتعلق بحملة التلقيح، قال البروفيسور انه يتعين وضع كل الامكانيات المادية والبشرية لتسريعها، لأنه يقلل من تعقيد الحالات الصحية المصابة بفيروس كورونا، ما ينعكس إيجابا على التكفل الصحي بالمرضى وكذا عدد وفيات كوفيد-19، معتبرا تسريع العملية امرا ضروريا لتفادي الأسوأ، من خلال تقريبه من المواطن لتحفيزه على اخذ جرعة اللقاح.