ضرورة تشجيع السياحة الثقافية خلال الألعاب المتوسطية جعل من حبه للتراث بشقيه المادي واللامادي شغفا لا يعادله سوى عشقه الكبير لمدينة وهران، وابتعد قليلا عن تكوينه الجامعي في العلوم السياسية ليتفرغ للتعريف بالباهية ومعالمها التاريخية ومواقعها الأثرية، ويدافع عن عاداتها وتقاليدها وحضارتها الضاربة جذورها في عمق التاريخ، إنه بركان كراشاي هارون، شاب من شباب وهران الذي يحدثنا من خلال هذا الحوار عن حبه للباهية وحرصه على البحث بعمق و دراسة تاريخها ومعالمها. - الشعب: كيف بدأت فكرة اهتمامك بالتراث وبمن تأثرت في هذا المجال؟ بركان كرشاي هارون: بداياتي الأولى كهاوي ومهتم بهذا المجال، تبلورت في سنة 2002 وأنا في ريعان شبابي، كنت أرافق أخي موسى ووالدي رحمه الله، محمد بركان كارشاي، مقيم ومسير خزينة بيت المال في مسجد الباشا خلال حقبة الستينيات، حيث كان إماما لمسجد الشيخ الفقيه طيب ابراهيم عبد القادر مكنوس، نسبة لأبيه الفقيه سي محمد مكنوس ولد الفقيه العلامة الشيخ محمد، من أشراف مدراسة، عرش مهاجة في القعدة زهانة. وعشقت جمالية هذه التحفة السياحية والإسلامية التي شيدت سنة 1797 في عهد الباي محمد الكبير بأمر من بابا حسن باشا الجزائر العاصمة، فصرت مرافقا دائما لأخي ووالدي في مختلف خرجاتهم الاستطلاعية والاستكشافية للمواقع والمعالم والصروح الأثرية المنتشرة في كافة أرجاء الولاية، لاسيما بوسط المدينة العريقة وبلديات العنصر ومسرغين وبوتليليس؛ أين تتلاقى وتتعانق الحضارات الضاربة في عمق التاريخ، كما لا أنسى أسلوب السرد الذي كان يتميز به والدي رحمه الله في سرد الوقائع التاريخية التابعة خاصة للحقبة الإسلامية بالمدينة. ومن بين الأسماء التي تأثرت بها وتعلمت منها الكثير، عبد قادر بن زهرة مرشد سياحي وكذلك هواري النعامة الملقب بالكرمات، مختص في تاريخ أولياء وعلماء وهران واورابح ماسينيسا مدير الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية سابقا ومن المشايخ الكبار حيث تعلمت منهم التاريخ الشفهي. - ما هي المعالم التي تجلب اهتمامك أكثر وتتصدّر مجال أبحاثك؟ القصبة التي تعد من أقدم القصبات في الجزائر، وهي بحد ذاتها مدينة من المعالم الأثرية المتنوعة، بين الأبراج والمعاقل والقصور وثكنات عسكرية ومخازن أسلحة وكنيستين ومستشفى، وكذا منابع وحواجز مائية وحمام تركي ودار المالية وإقامة خاصة بالسفراء والوزراء والقيادات العسكرية بالرتب العليا.. إضافة إلى قصر الباي وقلعة سانتا- كروز أو ما يسمى بحصن الجبل ومغارات ما قبل التاريخ في مسرغين، وكنت من بين الأوائل الذين عرفوا بالمكان التاريخي الذي سقط فيه تشفين بن علي آخر أمراء المرابطين، وأنا من بين الأوائل الذين تكلموا عن الواقعة التاريخية المتمثلة في سجن أبو حمو موسى الثاني سلطان الزيانيين في قصبة وهران، واهتم أيضا بتفاصيل تأسيس مدينة وهران والصراع عليها بين الفاطميين والأمويين وغيرها من المحطات التاريخية المفصلية في تاريخها.
- تعرف وهران نقلة حضارية نوعية من جانب المعمار والرفاهية والثقافة، هل يمكن أن يواكب ماضيها حاضرها من الجانب السياحي والتراثي؟ من المعلوم أن عاصمة الغرب الجزائري، وهران، تسعى جاهدة لتعزيز مكانتها كوجهة سياحية بامتياز على البحر الأبيض المتوسط، باعتبارها جسر بين الأصالة والمعاصرة؛ وهو ما يبدو جليا وواضحا في كل شبر من هذه الأرض الشاسعة التي تجسد الماضي في حقبة زمنية تصل إلى عصور خلت، وحاضر تعكسه ملامح المدن الحديثة. وهنا أشير إلى المعالم الأثرية وفنون العمارة القديمة المحفوظة بالمدينة العريقة، وخاصة بوسط وهران، التي لا تزال رغم ما تعانيه من إهمال وتهميش صامدة شامخة، مهيمنة على المشهد السياحي عامة والثقافي خاصة، رغم التطورات التي طرأت على الصعيد كافة، خاصة البنية السياحية التحتية، وهو ما يدعو إلى تكثيف الجهود وتعزيزها من أجل كسب تحدي المواءمة بين الأصالة والمعاصرة في ظل تحديات العصر الحاضر، وحتمية تعزيز مكانة سياحة التراث الثقافي، باعتباره فرع هام من فروع السياحة بوهران، كمدينة معاصرة بنكهة الماضي. - هناك الكثير من الجمعيات الثقافية التي تهتم بالتراث في وهران لكن وبرغم من دقها ناقوس الخطر تبقى العديد من المعالم معرضة للتدهور والإهمال، لماذا يا ترى؟ تواجه الأصوات المتعالية المنتقدة للحالة المزرية التي آلت إليها المدينة العريقة، حالة من التهميش والإقصاء، سيما الجمعيات المهتمة بالتراث، والتي تطالب الجهات المعنية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من الأبنية والمنشآت والمواقع الأثرية القديمة، وخاصة الرومانية، بعد ردمها بالأتربة والمخلفات، وأخرى طالها التوسع العمراني، وأنجزت عليها الفنادق والمركبات السياحية، فيما تخنق النفايات والمخلفات كنوز نفسية من الآثار والتحف وعديد الشواهد من الحضارات السابقة.
- أين يكمن الحل وكيف يمكن تدارك هذا الخطر المحدق بتراث وهران المادي؟ أعتقد أن قضية الحفاظ على التراث الثقافي، من خلال الحماية والترميم بحاجة إلى «قرار سياسي»، باعتبار أن العملية تتطلب ميزانية مالية خاصة ومواد متخصصة وموارد بشرية مؤهلة في المجال، بهدف الحفاظ على الحالة الأصلية لهذه الممتلكات لأطول فترة ممكنة، لأنها الأصل والجذور ووعاء للعلم والثقافة والمعرفة والآداب والفنون. لذلك نطالب الجهات المعنية ببذل جهود مضاعفة من أجل صياغة البرامج والمشاريع الكفيلة بحماية مقوماتها من التلاشي والزوال، نتيجة للإهمال المحلي والتهديدات المتواصلة لخطر التخريب ومحاولات الترميم العشوائي. خاصة المواقع الأقدم وعلى رأسها قصبة وهران وبرج المحال أو برج الأحمر الذي بناه السلطان أبو حسن المريني، وأنوّه هنا إلى أن ترميم المعالم الأثرية من صلاحيات وزارة الثقافة والفنون، أما مؤسسة الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية وظيفته الحماية وفقط. نحن اليوم أمام ضرورة الإسراع في تهيئة المعالم والمباني الأثرية والتراثية، باعتبارها أحد أهم مناطق الجذب السياحي، التي يعول عليها في تنويع السوق السياحية، لا سيما وأنّ عاصمة الغرب الجزائري، تستعد لاحتضان الألعاب المتوسطية في صائفة 2022.