أكد الأستاذ بجامعة الجزائر-2 محمد بونعامة، أن الحديث عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا ضد الجزائر لا يكون إلا بتوثيقها والتشريع لها وإعطاءها البعد القانوني والوطني وفقا للقانون الدولي، وهو ما يستدعي -بحسبه- وضع دليل للرد على دليل فرنسا، يكون موضوعيا يجرّد ويوثق كل الجرائم ومرتكبيها ومن أسس لها ونوعها استنادا للأرشيف. أوضح بونعامة خلال تدخله بمنتدى «الشعب» بمناسبة الذكرى 77 لمجازر 8 ماي 1945، ضرورة تحديد مفهوم الأرشيف الذي لا يعني الورقة الصفراء القديمة، بل هو الوثيقة الأرشيفية الآنية التي ستستغل مستقبلا في تغيير الأمور، منها الإستراتيجية التي أسست لغزو الجزائر، مؤكدا أن فرنسا قامت بحرب أرشيفية أو ما يعرف بحرب الذاكرة ضد الجزائر قبل دخولها، حيث كانت هناك سرقات و»بوتان» هو من وضع استراتيجية لغزوها. وأشار المتحدث، أن أول شيء قامت به فرنسا هو إصدار الملك فيليب لمرسوم ينشئ لجنة تتولى جمع كل الوثائق المتعلقة بالجزائر، ومن هنا بدأ النهب الحقيقي للأرشيف الجزائري بين 1830-1832 وليس سنتي 1960-1962 التي كانت ظاهرة للعيان، حيث بدأت البواخر والطائرات الفرنسية تستنزف التراث الجزائري وتحوله لفرنسا بهدف تغيير تاريخها وتفقيرها تاريخيا. وتوقف الأستاذ عند البعد الكرونولوجي للاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي سبقه حصار اقتصادي لها لمدة ثلاث سنوات، وقبل ذلك أي منذ سنة 1541 – 1561، حيث كانت هناك حملات شرسة ضد الجزائر، كل هذه الوقائع كانت لها أبعاد تتعلق بمواصلة الحرب الصليبية على بلادنا والدليل على ذلك حمل الملك «شارلوكان» في حملته العلم المسيحي، ما يؤكد أن كل الدول الأوروبية كإنجلترا، إيطاليا، واسبانيا كانت ضد الجزائر، بسبب قوتها الجهوية والإقليمية آنذاك وانعكس ذلك حتى على دبلوماسيتها وتعاملها مع القوات الأجنبية واتفاقياتها معهم، بما فيها فرنسا التي كانت تنعتها بجمهورية الجزائر، إيالة الجزائر، حكومة الجزائر. في المقابل، شدّد بونعامة على أهمية وضع المصطلحات في نصابها الزمني والتاريخي، سيما ما تعلق بتحديد كيف كان مفهوم الدولة آنذاك، أركان قيامها وهو ما يؤكد أن الجزائر دولة قائمة بذاتها ومستقلة باعتراف الفرنسيين من كتاب ومؤرخين وأرشيفيين، حيث كان لها دواوين، مدارس، مؤسسات، جمعيات، وأكثر ما كان يخيف الأوروبيين هو الوازع الديني والثقافي للجزائريين وكذا الاقتصادي. ويؤكد الأستاذ، أن الأرشيف غنيمة حرب ويصبح وثيقة ضغط على الدول في المفاوضات بعد الاستقلال وهو ما يحدث بالفعل، مشيرا إلى تخصيص أرشيف الخارجية الفرنسية لطابق بأكمله لكتب الأمير عبد القادر وأرشيفه ووثائقه، وهو ما تفتقده الجزائر، وهذا الاستنزاف والترحيل للأرشيف الجزائري مثبت لدى مؤسسة الأرشيف الوطني، من خلال جداول إرساليات محددة التاريخ آنذاك وحتى بالأسماء وتحت إشراف الرئيس الفرنسي ديغول، ما يؤكد القيمة الكبيرة له.