خطة الإنعاش الاقتصادي.. نقطة تحوّل في العلاقات مشروع إنشاء حاضنة أعمال جزائرية – فرنسية تشجيع البحث العلمي من أجل تحسين الأداء والمردودية توجت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، إلى الجزائر، بتوقيع خمس اتفاقيات تعاون، ستعيد التوازن إلى العلاقات الاقتصادية الجزائرية – الفرنسية، في ظل تحولات جيو- سياسية عالمية، ومعطيات طاقوية، منحت للجزائر مركزا إفريقيا وإقليميا رياديا، جعلها في موقع تفاوض قوي إلى جانب تحولات تنظيمية وتشريعية اقرها رئيس الجمهورية، مغيرا مسار الاقتصاد الوطني، باتجاه المؤسسات الناشئة وتطوير البحث العلمي وتسخيره لخدمة باقي القطاعات من اجل تحسين أدائها والرفع من مردوديتها. فاتحا المجال أمام شراكات أجنبية، تقوم على التوازن ومبدأ رابح-رابح. يرى الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي، أن مناخ الأعمال بالجزائر، قد تعزز بأداة مهمة من اجل تحسين أداء المؤسسات الاقتصادية وطمأنة المستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء، تمثل في قانون الاستثمار الجديد، الذي تميز باستحداث عدة هيئات مرافقة للاستثمارات، من بينها اللجنة العليا المكلفة بدراسة الطعون، التابعة لرئاسة الجمهورية، إنشاء الوكالة الجزائرية للعقار الصناعي، الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار. إضافة إلى التسهيلات الضريبية خاصة ما تعلق بالنشاط الاقتصادي عبر المناطق الحدودية على مستوى الجنوب، وتشجيع التصدير إلى دول الجوار الجنوبية. استثمارات محتشمة معطيات تنظيمية مستقاة من إرادة سياسية، تهدف إلى تخليص الجزائر من صفة «سوق للمنتجات الأجنبية « التي لازمتها لسنوات طويلة، عرفت باستثمارات محتشمة للشركاء الأجانب، خاصة الشريك الفرنسي الذي يعتبر الممون الأول للسوق الجزائرية، ويضيف المتحدث، أن العلاقات الاقتصادية الجزائرية الفرنسية، كانت قد عرفت حركة مد وجزر، متأثرة ببعض الاختلافات في وجهات النظر فيما يخص بعض القضايا السياسية، ما ادخل الفتور إلى العلاقات الثنائية بين البلدين. وأشار إلى أن الاستثمارات الفرنسية في الجزائر منذ سنة 2016، والممثلة ب 220 مؤسسة فرنسية ناشطة بالجزائر، ب 300 مليون دولار في السنة، رقم لا يرقى إلى مستوى العلاقات بين البلدين، خاصة إذا علمنا أن هذا الرقم قد تدحرج، خلال بعض السنوات، إلى مستويات دنيا، قدرت ب 60 مليون دولار. تمثل ثلث هذه الاستثمارات في نشاط المالية والتأمينات، على غرار بنك «بيانبي باريبا» و»سوسييتي جينيرال» وثلث آخر للصناعات الصيدلانية، مثل شركة «سانوفي» والثلث المتبقي لنشاطات متعددة. ميزان تجاري موجب لصالح الجزائر وقدم خرشي بعض الأرقام - حسب مصالح الجمارك الفرنسية - حيث صدرت الجزائرلفرنسا 4.7 مليار دولار، سنة 2019، في حين صدرت هذه الأخيرة للجزائر 5.5 مليار دولار، بميزان تجاري موجب لصالح فرنسا ب 800 مليون دولار. لينخفض حجم المبادلات التجارية إلى 6.9 مليار دولار، سنة 2020، بسبب الركود الذي عرفه النشاط الاقتصادي العالمي، نتيجة جائحة كورونا التي شلت حركة التوريد حيث صدرت الجزائرلفرنسا 3.2 مليار دولار، بالمقابل صدرت هذه الأخيرة إلى الجزائر ما قيمته 3.6، ليبقى الميزان التجاري موجبا لصالح فرنسا ب 400 مليون دولار. وقد مثلت المحروقات 70% من صادرات الجزائر، بينما تمثل مشتقات المحروقات وبعض المنتجات الفلاحية المطلوبة من طرف الجالية الجزائرية المتواجدة بفرنسا، النسبة المتبقية. عام 2021 عاد حجم المبادلات التجارية إلى الارتفاع مقارنة مع سنة 2020 ليصل الى 7.9 مليار دولار وهو رقم يبقى منخفضا بالنسبة إلى السنة المرجعية 2019. خلال هذه السنة صدرت فرنسا إلى الجزائر ما قيمته 3.7 مليار دولار، مقابل 4.3 صادرات جزائرية نحو فرنسا مسجلة لأول مرة زيادة صادرات بنسبة 59 % وميزان تجاري موجب لصالحها. ودائما حسب تقارير مصالح الجمارك الفرنسية، سجلت الجزائر فائضا في الميزان التجاري يقدر ب +519 مليون دولار. تنويع الجزائر لشركائها الاقتصاديين وأرجع الخبير الاقتصادي، ضعف الحركية الاقتصادية بين البلدين إلى عدم تفعيل للجنة الحكومية المشتركة الرفيعة المستوى التي، بالرغم من وجودها، إلا أنها لم تكن غير مفعلة، حيث لم يسبق وأن عقدت أي اجتماع ما أدى إلى انخفاض حجم الاستثمارات وتدهور العلاقة الاقتصادية، التي أثرت على عديد المشاريع، كمشروع شركة «بيجو» الذي لم يتجسد، نشاط متعثر لشركة «رونو»، إنهاء عقود تفويض التسيير سيال، ميترو الجزائر، سحب اعتماد «كريديت اغريكول». كما تراجعت الحصة الفرنسية من واردات الجزائر من الحبوب ب 50%، بسبب توجه الجزائر إلى تنويع شركائها الاقتصاديين. وتترجم الأرقام تآكل الحصة الفرنسية حيث تستورد الجزائر الحبوب من فرنسا بنسبة 24%، ألمانيا 23 %، ثم الأرجنتين بنسبة 16 %، ثم أوكرانيا وروسيا ورومانيا. ندوة الإنعاش الاقتصادي.. نقطة تحول شكلت التعليمات، التي أسداها رئيس الجمهورية، يقول خرشي، بخصوص التوجه الجديد، للاقتصاد الوطني، في أوت سنة 2020، نقطة تحول في مسار الاقتصاد الوطني، بالإعلان عن خطة عمل من اجل الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، التي عدلت خوارزمية المعاملات الاقتصادية حيث اتجهت الجزائر بمقتضاها إلى التخفيف من الواردات وتغيير الممارسات التجارية السابقة التي جعلت من السوق الجزائرية مستودعا للمنتجات الأجنبية. تعليمات ستبني العلاقات الاقتصادية الجزائرية مع شركائها، على مبدإ التوازن، والشركة رابح-رابح. شراكة متجددة توجت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الجزائر بإمضاء «عقد الجزائر» من اجل شراكة متجددة وإبرام خمس اتفاقيات. وأوضح المتحدث، أن توقيع عقد شراكة متجددة بين الجزائروفرنسا، ضمن علاقة رابح- رابح، سيسمح بإعادة تفعيل اللجنة الحكومية المشتركة واللجنة الاقتصادية، سيفتح المجال أمام تحضير مذكرات تفاهم بين وزراء البلدين، لإبرامها لاحقا، وترجمتها إلى عقود بين الشركات ويتعلق الأمر بقطاع الصناعة، التجارة، المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة. فبالنسبة لقطاع الشركات الناشئة، يتابع خرشي، تم استحداث وزارة للمؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة وإنشاء صندوق عمومي لتمويل المؤسسات الناشئة من اجل دعم الشباب حاملي المشاريع المبتكرة والاعتماد عليها كدعامة للاقتصاد الوطني وبديل للتبعية لقطاع المحروقات. وتمتلك الجزائر اليوم ألف مؤسسة ناشئة رقم يحتاج إلى المزيد من مسرعات الأعمال الحاضنات التي يعتبر عددها ضئيلا بالمقارن مع عدد المؤسسات الناشئة. ويجري الحديث عن إمكانية إنشاء حاضنة أعمال جزائرية فرنسية، ستقدم قيمة مضافة كبيرة لهذا القطاع الفتي المتعطش للشراكة وتبادل الخبرات الأجنبية، ما يمكن أن يوفره الشريك الأجنبي خاصة وأن منطقة باريس، التي تضم أكثر من 12 ألف مؤسسة ناشئة، معروفة بنظام بيئي ريادي جد ملائم لنمو المؤسسات الناشئة، يتكون من عدد معتبر من حاضنات ومسرعات الأعمال، مخابر التصنيع، مساحات الأعمال المشتركة، تمويل عمومي، رأس المال المخاطر والممولين الخواص والعموميين. للإشارة، فقد خصص الرئيس الفرنسي 15 مليار دولار للاستثمار في قطاع المؤسسات الناشئة، ما مكن باريس من احتلال المرتبة 15 عالميا من حيث بيئة الأعمال لهذا القطاع المكون للنسيج الاقتصادي. اتفاقيات لتطوير مختلف القطاعات بالإضافة إلى أن إبرام اتفاقيات في مجال البحث العلمي سيخدم الاقتصاد الوطني، خاصة إذا اعتبرنا أن البحث العلمي يسمح بالابتكار وبراءة الابتكار، الذي يقف وراء المشاريع المبتكرة التي تمكن من الحصول على «وسم المؤسسة الناشئة». كذلك بالنسبة لقطاع الفلاحة وفي ظل شبه أزمة الغذاء التي تتربص بالعالم - حسب منظمة الفاو للأغذية والزراعة - حيث تعمل الجزائر على تطوير هذا القطاع خاصة شعبة الحبوب، برفع إنتاجية الهكتار الواحد الذي ينتج حاليا ما بين 15 و20 قنطار/ هكتار. بينما يصل إنتاج الهكتار الواحد إلى 50 قنطار / هكتار في بعض الدول الأوروبية. المسار التقنية الذي يجب إن يعتمده الفلاح من اجل رفع الإنتاجية، مثل عمق الحفر، كمية الأسمدة وتوقيت استعماله، الطرق العلمية الصحيحة لعملية الغرس، استعمال تكنولوجيات الري عن طريق التقطير، تطوير بذور جديدة تتأقلم مع التغيرات المناخية التي تعرفها الكرة الأرضية، وإعطاء مردودية. قطاع الطاقة هو الآخر بدأ اختراقه من طرف المؤسسات الناشئة بعدما كان حكرا على الشركات العملاقة، حيث يمكن للمؤسسات الناشئة من خلال تقنيات علمية إن تتدخل في عملية إعادة حقن 80 % من الغاز المستخرج إلى الآبار من اجل الحفظ على استدامة الإنتاج. تعاون في مجال الصحة والرياضة الاتفاقية الثانية تخص معهد باستور ونظيره الفرنسي، تعتبر مهمة جدا على ضوء الأزمة الصحية العالمية، حيث رصدت الحكومة الجزائرية 65 مليار دينار، التنبؤ بالأمراض والفيروسات التي صارت نزيلا فرض نفسه على العالم في السنوات الأخيرة، حيث عرفنا انتشار عدة فيروسات كانت تداعياتها أمراض صعب تشخيصها والوصول إلى الأدوية. بالإضافة إلى التشخيص الدقيق والسريع للأمراض، كما سيتم التعاون الثنائي بين معهد باستور ونظيره الفرنسي، مرافقة الشركات الصيدلانية الجزائرية في تطوير اللقاحات الاتفاقية الثالثة يقول خرشي، تمثلت في إعلان نوايا، بين وزارتي الشباب والرياضة للبلدين، خاصة وأن العاصمة الفرنسية باريس ستستضيف الألعاب الاولمبية سنة 2024، ما سيسهل للرياضيين الجزائريين عملية التنقل والحصول على التأشيرات والمشاركة في الألعاب الاولمبية، كما يسمح لرياضيي الجزائر من ذوي الهمم من المشاركة بأريحية في الألعاب « البارا – اولمبية «. بالإضافة إلى اتفاقية تخص قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، اتفاقية تعكس مدى اهتمام رئيس الجمهورية بفئة الشباب كخطوة تضاف إلى الخطوة الأولى المتمثلة في استحداث مجلس أعلى للشباب. الاتفاقية ستسمح للطلبة الجزائريين، بمتابعة دراستهم بفرنسا واكتساب معارف متطورة، والمشاركة في ملتقيات فكرية وعلمية، وتنظيم أيام دراسية مشتركة بين مخابر البحث الجزائرية ونظرائهم الفرنسيين حيث ستستفيد الجزائر من موردها البشري.