توافد السيّاح الرّوس والأمريكان يساهم في التّرويج للقطاع السّياحة في بلادنا مجال ثري وديناميكي مدرّ للأموال سَجَّل قطاع السّياحة في الجزائر استفاقة غير مسبوقة خلال سنة 2022، سواءً في الموسم السياحي الصحراوي بالجنوب الكبير، أو في الفترة الصيفية بالولايات الشاطئية التي شهدت إقبالا منقطعا للنظير للمصطافين والسياح من كل ربوع الوطن وحتّى خارجه.أوضح رئيس جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها طلحي عبد العزيز في حوار مع «الشعب»، بمناسبة اليوم العالمي للسياحة المصادف ل 27 سبتمبر من كل سنة، أنّ السياحة الجزائرية تسير بخطى ثابتة ومدروسة نحو التميز والتطور وفق رؤية الدولة للقطاع 2030، بالنظر إلى ما تمتلكه وتحتويه من مؤهلات في المجال. الشعب: حقّق قطاع السّياحة بنوعيْها الداخلي والأجنبي في الجزائر استفاقة خلال سنة 2022، ما مردّ ذلك من وجهة نظركم؟ رئيس جمعية صدى الجزائر لتشجيع السّياحة وتطويرها طلحي عبد العزيز: شهد موسم الإصطياف لسنة 2022 استقطابا كبيرا للسياح ونشاطا غير معهود على طول الساحل الجزائري، نعتبره قفزة نوعية ومؤشرا صحيا على استفاقة قطاع السياحة، وهو ما استشرفته جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها. ونعزو استفاقة السياحة إلى عديد العوامل الإجتماعية والترويجية التي سبقت بداية موسم الإصطياف مثل قناعة السائح المحلي بالتجوال والترفيه في ولايات وطنه، والإطلاع والتعرف على جماله الذي يتغنى به الأجنبي قبل الجزائري. كما ساهم عمل المؤثرين في مواقع التواصل الإجتماعي على الترويج لأماكن سياحية كانت بعيدة كل البعد على الأعين عبر مناطق البلاد، فضلا عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية المتعلقة بإعادة الاعتبار للعديد من الهياكل السياحية كمركب السات بتيبازة، وغيرها من المرافق التي أعطت دفعة حقيقية للقطاع. كيف تقيّمون الإجراءات المتّخذة للنّهوض بقطاع السّياحة؟ كل الإجراءات المتخذة من طرف الدولة للنهوض بالسياحة مهمة، سواءً ما يتعلق بقانون الإستثمار الذي جاء محفّزا، ويستثني هذا القطاع من قاعدة 51 - 49، ما نعتبره توجّها لجلب استثمارات أجنبية وكفاءات عالمية تسمح للسياحة في الجزائر بالتطور الحقيقي، أو توصيات رئيس الجمهورية العملية التي اقتضت ضرورة تطوير سياحة داخلية تلبي حاجات الأسر الجزائرية، وتنمية جميع الأنماط السياحية المتوفرة في بلدنا القارة واستغلالها. علاوة على تنظيم مجال الأسفار وتدعيم المنتجات الوطنية في حقل الصناعات التقليدية، والترويج لها محليا وخارجيا بتسخير الدبلوماسية عبر القنصليات في جميع أنحاء العالم. هل تحقّق تلك الإجراءات تطويرا للقطاع في الأمد القريب، والدّفع بالسّياحة الجزائرية للمنافسة إقليميا وعربيا ؟ القطاع السياحي في الجزائر يسير بخطى ثابتة ومدروسة نحو التّطور والتميّز وفق رؤية الدولة للقطاع 2030، بالنظر إلى ما تمتلكه من مؤهلات طبيعية وسياسات بنّاءة تُنبِئ بنجاح مميز يسمح بخلق ثروة ومناصب شغل معتبرة ستغطي جانب من احتياجات الشباب الجزائري. السّياحة في بلادنا مجال ثري وديناميكي مدر للأموال، الاستثمار فيها سيخلق منافسة إقليمية وحتى دولية، نظير ما تحتويه من مؤهلات طبيعية، تنوع بيئي كبير، وبنية تحتية تسعى الدولة لتجهيزها وفق رؤية 2030. يضاف إلى ذلك قانون الإستثمار الجديد المشجّع على الإستثمارات في هذا القطاع، ممّا سيجعل الجزائر منافسا قويا إقليميا وعالميا، وفي صدارة المنافسين. الموسم السّياحي الصّحراوي بالجنوب الكبير سجّل هذا العام نجاحا باهرا، ما هو السر في ذلك؟ السّياحة الصّحراوية والقصورية في جنوبنا الكبير شهدت نجاحا ملفتا، وكانت على الدّوام نشطة وتستقطب سنويا السياح من كل بقاع المعمورة لما تمتلكه من مقوّمات وتصنيفات عالمية، ساهمت في إبرازها السياسات الترويجية التي تبنّتها الدولة الجزائرية، وساعدت على انتشارها أيضا المنظمة العالمية للسياحة. وبناءً على هذا، لابد أن تستمر هذه الديناميكية والنسق لاستقطاب عدد أكبر من السياح سواء كانوا جزائريّين أو أجانب. أمّا نجاح الموسم السياحي الصحراوي فدافعه ذلك الجمال الطبيعي الذي يتمتّع به جنوبنا الكبير، وأخلاق الكرم والضيافة التي يمتلكها سكانه الأكارم، ناهيك عن الصبغة الثقافية الخاصة بهم التي تصنع الفارق بتراثها الماضي المادي واللامادي. سياح أمريكيّون وروس في الجزائر، ماذا يعني لك هذا؟ وهل يمثّل بداية الإقبال الأجنبي على السّياحة الوطنية للاطّلاع على مؤهّلاتها الفريدة؟ يُعتبر توافد السّياح الرّوس والأمريكيين في رحلات سياحية منظمة إلى الجزائر، ترويجا مهما جدا من قطبين عالميين للسياحة الوطنية، يمتلكان ثقلا ترويجيا كبيرا على المستوى الدولي قادرا على جعل الجزائر وجهة سياحية آمنة تستحق الزيارة. ومن خلال تلك الوفود والرّحلات تثبت الجزائر أيضا قدرتها على تلبية احتياجات السياح الأجانب، خصوصا أنّها في المرتبة الأولى عالميا في سياحة المغامرات في العشر سنوات القادمة. وبتواصل مثل هكذا رحلات سياحة دولية، نعتبر ذلك بداية للتوافد السياحي الأجنبي على بلد الشهداء، ممّا يتطلّب منّا الحرص على إنجاح كل المبادرات في هذا الخصوص، والترويج الأمثل لعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا الحضاري المادي واللامادي. ما هي مقترحاتكم للرقي بالسياحة الجزائرية، والوصول بها إلى مصاف العالمية؟ دائما ما يكثر الحديث عن المقترحات التي تفتقد للدراسات الميدانية الحقيقية، لذلك نحن نقترح أن يتم الإستثمار أولاً في العامل البشري، وتكوينه تكوينا عاليا يتناسب مع أهداف القطاع الإقليمية والعالمية، بالإضافة إلى تنظيم مجال بحث جميع المتعاملين من وكالات وهياكل فندقية وغيرهم على استقطاب الكفاءات، والعمل على خلق ثقافة سياحية يكتسبها السائح تدريجيا. وعليه الجميع مطالبون بالمساهمة في عملية الترويج الحسن للسياحة واعتبارها قضية وطنية، مع تثميننا لما يتم إنجازه وتقنينه للنهوض بالقطاع، وأملنا في ذلك بأن يتحقق المطلوب. وعلى ضوء إبرام اتفاقية في مجال الصناعات التقليدية مع دولة البرازيل لفتح مدرسة تكوين لليد العاملة المؤهلة بولاية تمنراست، ندعو السلطات الوصية إلى استقطاب المزيد من المدارس العالمية في المجال، وعقد اتفاقيات مماثلة مع دول رائدة في الصناعات التقليدية مثل التجربة التونسية. فمثل هكذا مدارس تكوينية تُخرِّج سنويا مئات الشباب والحرفيين المؤهلين للنشاط في المجال، وستكون بكل تأكيد إضافة كبيرة للسوق الجزائرية وطنيا وإقليميا لما لها من أهمية سياحية وإقتصادية، المساهمة بشكل مباشر في دعم الأسر المنتجة في الأرياف ومناطق الظل، استحداث فرص عمل معتبرة، وكذا دورها الكبير في قطاع السياحة والترويج له بما أنّه يرتبط ارتباطا وثيقا بالصناعات التقليدية. حدّثنا عن الدور الذي يجب أن يضطلع به المجتمع المدني والجمعيات السياحية تجاه القطاع للمساهمة في مسعى تجسيد المخطط الوطني؟ المجتمع المدني بصفة عامة والحركة الجمعوية المتخصصة في قطاع السياحة والصناعة التقليدية، يُمثّلون قوّة اقتراح وفعالية حقيقية مساهمة في خلق الوعي السياحي مجتمعيا، وأيضا في خلق ديناميكية وحركية في القطاع عن طريق النشاطات الأكاديمية والميدانية الهادفة إلى التعريف بالمؤهلات السياحية عبر ولايات الوطن. والأهم من كل ذلك، المشاركة الفعلية في نشر الفكر السياحي وثقافة التجوال، وتعزيز روح المواطنة في أوساط المجتمع الجزائري، التعريف بالأماكن والمرافق التي تعد فرصة للإستثمار وغيرها من المسائل ذات الصّلة. من هذا المنظور، نعتبر أنّ المجتمع المدني حلقة مهمة، وجزء أساسي وشريك فعّال في خدمة رؤية الجزائر في قطاع السياحة 2030. ماذا عن نشاط وبرامج جمعيتكم الوطنية في هذا الخصوص؟ جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها تركّز حاليا على تشريح الواقع السياحي عن طريق تنظيم ندوات وأيام دراسية، وتعمل على التوسّع ونشر أفكارها عبر كامل التراب الوطني، مع القيام بنشاطات ميدانية مهمة لتكوين منخرطيها في جميع المجالات. وسبق لجمعيتنا أن انخرطت في مسعى الدولة لتشجيع وتطوير السياحة، من خلال الآليات الأكاديمية والخرجات الميدانية القادرة عليها عن طريق ربط علاقات مع كل الفاعلين في الميدان من إدارات محلية ومتعاملين اقتصاديين وفعاليات مجتمع مدني، بغية تقديم الإضافة الإيجابية المرجوّة لهذا القطاع المهم في الجزائر. كما تعمل جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها أساسا على التكوين القاعدي المتخصص في قطاع السياحة والصناعة التقليدية بعدما وصلت تمثيلياتها إلى 25 مكتبا ولائيا على المستوى الوطني وحوالي 50 مكتبا بلديا، مع التحضير لتمثيليات خارج الوطن، واستعداد اللجان الوطنية لفتح أبواب الإنخراط لجميع الشباب المهتم بالقطاع مثل لجنتي النشاطات الشبانية والإعلام، واعتماد سياسة ترويجية ناجعة لحد الآن بالنظر إلى الإمكانيات المتوفرة. ونتطلّع إلى المشاركة في إنجاح جميع الأنماط السياحية القادمة في هذا الخريف والشتاء والربيع إلى غاية موسم الإصطياف من سياحة صحراوية، جبلية، قصورية، غابية وحموية كفاعلين حقيقيين في الميدان السياحي. ومن هذا المنبر ندعو جميع الشباب المهتم بمجال السياحة إلى الإنخراط في جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها، والترحيب بأفكارهم واقتراحاتهم ضمن جهود ترقية هذا القطاع.