دور مهم في توحيد الرّؤى الإقتصادية أسبوع يفصلنا عن انعقاد القمة العربية، التي ينتظر منها الكثير على المستوى السياسي من لمّ الشمل العربي وإخماد الفتنة والشقاق الذي تعرفه بعض الدول العربية، كما ينتظر إعادة بعضها الآخر إلى الحضن العربي، الذي سيكون الأكثر أمنا وعطاء على الاقتصادات العربية التي يمكنها أن تشكّل تكتلا قويا نظرا للتكامل الكبير الذي تتميز به المنطقة العربية من حيث الثروات التي يقوم عليها الاقتصاد. فالثروة المنجمية والمعدنية إضافة إلى المياه الجوفية الإفريقية، تقابلها رؤوس أموال بلدان الشرق الأوسط ومجموعاتها الاستثمارية الكبرى، ما يمكن أن يشكّل قوة اقتصادية، ستباركها مخرجات قمة نوفمبر خاصة إذا ما تم تحيين وتفعيل اتفاقية منطقة التبادل الحر العربية الكبرى التي تمّ إصدارها في 1997. يعتبر رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية منير ربعي، أنّ قمة نوفمبر التي تتطلّع من خلالها الدول العربية إلى انفراج سياسي للقضايا العالقة، سينجم عنها استقرار سياسي سيؤسّس لاقتصاد عربي موحّد، خاصة وأنها تأتي في ظروف عالمية مضطربة، ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من أزمة غذائية وطاقوية، وتمخض تكتلات وتحالفات اقتصادية، ما يعتبر توقيتا جد مناسب لانعقاد قمة عربية، فإلى جانب دورها السياسي في لم الشمل العربي، والقضاء على الشقاق الذي تعيشه بعض الدول العربية، ستؤدي القمة دورا مهما في توحيد الرؤى الاقتصادية، خاصة وأنّ أغلب الدول العربية تمتلك منهجا اقتصاديا مماثلا من حيث التوجه إلى اقتصاد المعرفة وتنويع الإنتاج والتخلص من التبعية للمحروقات، خاصة في ظل أزمة غذائية عالمية تلوح بوادرها من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع كالقمح بنوعيه، الشعير، السكر والزيت. وهو الخطر المشترك الذي تعمل البلدان العربية على التصدي له، فمثلا تعتبر مصر ولبنان أكبر مستهلك لمادة القمح، وبالتالي على البلدان العربية العمل في نفس الاتجاه من أجل الخروج من الأزمة العالمية الطاقوية الغذائية بأقل خسائر ممكنة، ولِم لا بغنائم ومؤشرات اقتصادية، تحسب لصالحها. وأشار روبعي إلى الجهود التي تبذلها منظمته على غرار باقي المنظمات الوطنية الاقتصادية، التي باتت تتحرك في كل الاتجاهات من أجل استقطاب الشريك الأجنبي، والترويج للوجهة الاستثمارية الجزائرية ومرافقة المتعاملين الاقتصاديين إلى ولوج الأسواق الإفريقية والعربية، والوصول بالمنتج الجزائري إلى العالمية، بتشجيع من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون. وذكر روبعي في هذا الصدد الملتقى الاقتصادي الجزائري الفرنسي رفيع المستوى، الذي ضمّ وزراء ورجال أعمال من الجانبين، بما فيها المؤسسات الاقتصادية الجزائرية الكبرى، إلى جانب سلسلة من اللقاءات التي تندرج ضمن إستراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية التي اعتمدتها الجزائر مؤخرا كالقمة الجزائرية المصرية، وقبلها القمة الجزائرية التركية، التي سبقتها كل من القمة الجزائرية الايطالية وكذا القطرية.وأضاف المتحدّث، كأقوى صورة عن الإرادة السياسية للتعاون العربي، نذكر النّشاط المنعقد مؤخرا بفندق الأوراسي، المنظم من طرف الجمعية العربية للأسمدة، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي ضمّت المتعاملين الاقتصاديين العرب في مجال الأسمدة من بينهم "أسميدال" الجزائرية، ويعتبر أول لقاء من نوعه من حيث الانعقاد في بلد أجنبي برعاية رئيس الجمهورية شخصيا منذ تأسيس الجمعية سنة 1973. عدّة ملتقيات اقتصادية، وجهود مكثفة لكل الأطراف الفاعلة في هذا المجال من سلطات عمومية، منظمات ومتعاملين اقتصاديين من القطاعين العام والخاص على حد سواء، يقول روبعي، تؤكّد اهتمام الشريك الأجنبي بالوجهة الجزائرية كقطب استثماري واعد يمتلك منظومة اقتصادية آمنة، إضافة إلى مقوّماتها الطبيعية التي تضاف إلى ثرواتها الباطنية النفطية والمنجمية، ما يمنح للجزائر مكانة عربية إقليمية إستراتيجية على الصعيد العربي تؤهلها لتوسط الخارطة الاقتصادية كبوابة للأسواق الإفريقية ووسط ميدان التبادل العربي البيني. فعلى سبيل المثال، تصدر نيجيريا غازها الطبيعي عبر أنبوب الغاز الجزائري الممتد إلى كل من إيطاليا وإسبانيا، وكذلك إلى تونس، كما أن امتلاك الجزائر لمخزون مهم من المياه الجوفية في صحرائنا الكبرى عامل جد مشجع لقيام استثمارات فلاحية مهمة، قائمة على الشراكة مع المستثمر العربي، خاصة وأن أغلب دول المشرق العربي تعاني من نقص ملحوظ في المياه. الآمال معلقة على القمة العربية، يواصل روبعي، من أجل التأسيس لاقتصاد عربي بيني، وعودة بعض الدول إلى الحضن العربي، وتكوين تكتل على شاكلة الدول الأوروبية، التي وصلت إلى تحقيق اقتصاد أوروبي موحّد، وعملة مشتركة أذابت الحدود الجغرافية، وهو الهدف الذي تتطلّع إليه الدول العربية، خاصة وأن كل المعطيات الاقتصادية والمؤهلات الطبيعية تشير إلى الاتجاه الصحيح، الذي ستكون القمة العربية نقطة بدايته القوية. وتابع ذات المتحدث، أنّ البلدان العربية تتمتّع بتكامل اقتصادي يمكنها أن تحقق استقلالها الاقتصادي، ويحررها من التبعية إذا ما هيّأت له الأرضية التنظيمية والسياسة الرشيدة القائمة أساسا على التعاون البيني والاستقرار السياسي للمنطقة. وتتّضح مظاهر هذا التكامل في الأسواق الإفريقية المتعطّشة لكل أنواع المنتجات الصناعية، بالمقابل الثراء المعدني والمنجمي الذي يحتاج إلى الأموال العربية لاستثمارها، وخلق صناعات حقيقية بنسب إدماج عالية، تخدم جميع الأطراف. كما تطرّق روبعي إلى المؤشرات الاقتصادية المشجعة، التي أكّدتها الأرقام المصرح بها من طرف وزير المالية حول توقعات إغلاق السنة المالية 2022، وهي الأرقام التي يؤكد رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، على العمل سويّا يدا في يد إلى جانب السلطات العمومية من أجل الرفع من قيمتها وتطويرها، من خلال الترويج والاستفادة من التحفيزات التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد، ما يجعل من مناخ الأعمال بالجزائر، منطقة نشطة وآمنة من حيث البنود التشريعية، التي من الضروري تدعيمها ببنود واتفاقيات دولية على غرار تلك التي تضمنها اتفاق الشراكة العربية المؤطّرة، باتفاقية منطقة التبادل الحر العربية الكبرى التي تم إصدارها في 1997، التي بات تحيينها أمرا حتميا من أجل إعطائها أكثر حركية وهامشا أوسع للتجارة البينية العربية بامتيازات أهم من تلك المبرمة مع الاتحاد الأوربي. وعلى ذكر الامتيازات، أشار روبعي إلى أن الجزائر قد منحت إعفاءات ضريبية للشركات العربية، فاقت 2300 مليار سنتيم سنة 2019، حيث سجلت مبادلات تجارية مهمة مع كل من مصر، السعودية وقطر، بالمقابل يأمل المتحدث أن تكون القمة العربية بادرة خير من أجل تشجيع الصادرات الجزائرية نحو البلدان العربية، التي تلبّي أغلب حاجياتها من دول أخرى كتركيا والصين. وتشجيع هذه الأخيرة على الاستثمار بالجزائر، ليكون مشروع مصنع الإسمنت الإماراتي الجزائري الذي تمّ إبرام اتفاقية بإطلاقه بين الشريك الإماراتي ومجمّع "أسميدال" الجزائري، أحد ثمار الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية، التي ستدعم بمخرجات القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر الأسبوع القادم.