نظّمت المكتبة الوطنية الجزائرية (الحامة)، أول أمس، لقاءً أدبيا ونشاطا فنيا ثريا تزامنا والذكرى المائوية لوفاة أحد فحول الشعر الشعبي الجزائري، عبد الله بن كريو، ابن ولاية الأغواط، وذلك بالتنسيق مع «بيت الشعر الجزائري» لولاية الجزائر، وقصر رياس البحر، وكانت المناسبة وقفة عرفان لمساره الزاخر برصيد من القصائد أغلبها غزلية، تغنّى بها أعمدة الفن الجزائري من أمثال خليفي أحمد ومحمد حشلاف وغيرهما، حيث بقي وهجها ساطعا رغم مرور قرن على صياغتها، فهي ما تزال تحتفظ بعبقرية الكلمة الشاعرة إلى يومنا هذا. وفق البرنامج المسطر للاحتفاء بمائوية الشاعر عبد الله بوكريو، الذي جاء على شكل نشاطين متتابعين، الأول كان في رحاب المكتبة الوطنية التي عرفت ندوة أدبية فكرية نشّطها كل من الدكتور عبد الحميد بورايو، الدكتور بشير بديار، الأستاذ لزهاري لبتر، الكاتبة آمال المهدي، الروائي أحمد عبد الكريم، إلى جانب تنظيم معرض لمختلف الإصدارات والكتب الجزائرية من بينها 04 مؤلفات ضمت قصائد كتبها الشاعر عبد الله بن كريو، بالإضافة إلى أرشيف لبعض اليوميات الوطنية، على غرار جريدتي «الشعب» و»المجاهد».. كما تمّ في الشطر الثاني من البرنامج الذي كان على مستوى قصر رياس البحر، وذلك في تمام الساعة 17:30 مساء، افتتاح معرض للفنون التشكيلية وحفل فني من أداء فرقة موسيقية من ولاية الأغواط، إلى جانب قراءات في الشعر الشعبي وقراءات من شعر عبد الله بن كريو من إلقاء الراوي لحبيب منصر. الشّعر الشّعبي.. هويّة وطنيّة قدّم الدكتور عبد الحميد بورايو في الندوة مداخلته الموسومة ب»مكانة الشعر الشعبي في الحفاظ على الثقافة الوطنية في الماضي والحاضر»، وهي حوصلة عن الانتاج الثقافي للمجتمع الجزائري الذي عرف، عبر قرون خلت، حركة شعرية قوية اتخذت من لغة الحياة اليومية وسيلة للتعبير، حيث أجمع الدارسون والشعراء والهواة على تسمية إنتاجها ب»الشعر الملحون»، وهي تسمية ارتبطت بالشعر الفردي في البلاد المغاربية، نظرا لارتباطه بالغناء والتلحين. كما أضاف المتحدث «لقد مرت هذه الحركة الشعرية في الجزائر بفترات ازدهار ظهر فيها شعراء أفذاذ، انتشرت أشعارهم في رقعة جغرافية واسعة، من بين هؤلاء شعراء حاضرة تلمسان في القرنين (17 و18) وشعراء منطقة الهضاب العليا والأطلس الصحراوي في القرنين التاسع عشر والعشرين، مثل شعراء ذوي منيع العبادلة بشار في أقصى الغرب الجزائري وشعراء معسكر وغليزان والشلف، إضافة إلى شعراء بسكرة وكذلك شعراء الجلفةوالأغواط ومتليلي وتبسة ووادي سوف.. ونالت إنتاجات هؤلاء الشعراء حظوة لدى المغنين فخلدوا نماذج منها عن طريق اللحن والموسيقى والصوت الغنائي»..
التخي عبد الله بن كريو.. القاضي والعالِم والشاعر تطرّق المختصون في مجال الأدب، إلى أبرز محطات مسيرة الشاعر التخي عبد الله بن كريو، الذي وقف على فترة تاريخية مهمة، حيث وثّق فصولها عن طريق الشعر الشعبي والتي قال عنها المشاركون بأنها: «تعكس قيما اجتماعية وإنسانية عالية في سجل الأدب الشعبي الجزائري»، كما استعرضوا نبذة من حياته التي عرفه الناس فيها كقاض، ثم عالم مختص في حركة الكواكب والأبراج الفلكية، ومكتشف للمعادن النفيسة، وشاعر أفناه حب «فاطنة الزعنونية»، حيث خلّد قصة عشقها في جل قصائده التي ما زال يردّدها إلى اليوم أغلب فناني الشعر الشعبي من بينها قصيدة «ڤمر الليل خواطري تستانس بيه»، وهي كناية عن جمال أسطورة قصائده وحبه الوحيد «فاطنة الزعنونية بنت الباش آغا بن سالم»، الذي بترت قصة حبه العفيف في مهدها، ويقال بأن الأخيرة توفيت إثر نفي عبد الله بن كريو إلى المنيعة، بعد زيجتين بالإكراه، الأولى من ابن عمها والثانية من أكبر تجار منطقة عين ماضي آنذاك. عبد الله بن كريو في ذاكرة المقاومة وفي سياق مداخلته، أوضح الكاتب الجامعي والصحفي لزهاري لبتر، أن «اللقاء يندرج ضمن الفعاليات المبرمجة لغاية ديسمبر القادم على المستوى الوطني، للاحتفاء بأعمال عبد الله بن كريو بمناسبة مائوية وفاته التي تتزامن مع إحياء الذكرى ال170 لمقاومة مدينة الأغواط التي تعرض أبناؤها لإبادة جماعية وحشية من طرف الجيش الاستعماري الفرنسي»، كما أعلن عن تأسيس جمعية «التخي عبد الله بن كريو» في مسعى للحفاظ على تراثه الشعري وصونه وتدوينه كتراث وطني. ومن جهته، ذكر الباحث في التراث الشعبي البشير بديار، أن العديد من أعمدة الفن الجزائري بمختلف الطبوع الموسيقية الشعبية التراثية الجزائرية ردّدوا قصائد عبد الله بن كريو، بينهم خليفي أحمد، رابح درياسة، الشيخ حمادة، فضيلة دزيرية، الشيخ امحمد العنقى، محمد الطاهر فرقاني ومحمد بوليفة وغيرهم، كما كشف من خلال مداخلته «توظيف الأسطورة والتراث في شعر عبد الله بن كريو»، بأن الشاعر عبد الله بن كريو استند في نظمه للقصائد على أساطير ذات علاقة بالتراث اليوناني والإغريقي والبابلي والعربي الإسلامي، وكما جاء على لسانه «يعكس ذلك سعة اطلاعه على مختلف العلوم مع امتلاكه حسا شعريا صادقا». من «الجميلة والشاعر» إلى «رسول الفضة» وفي سياق متصل، قدمت الروائية أمال المهدي، قراءة في روايتها المكتوبة باللغة الفرنسية التي تحمل عنوان «الجميلة والشاعر»، المستنبطة من حياة عبد الله بن كريو التي وصفتها ب»قانون الصمت»، كما دعت الجهات الوصية إلى ضرورة تكثيف الدراسات الخاصة بمسيرة هذا الشاعر الذي ترك موروثا لاماديا، يستحق أن يكون ضمن الأعمال الأدبية، لكي يتسنى للأجيال الحالية والقادمة التعرّف على رصيده الشعري، فيما كشف الروائي أحمد عبد الكريم، خلال مداخلة بعنوان: «شهادة حول تناول سيرة الشاعر وشعره في عمل سردي» عن ضرورة استثمار وانتصار النزعة الأدبية للشاعر الذي تحتفي الجزائر بمائوية ذكرى رحيله، وأشار إلى أنه قريبا ستصدر روايته «رسول الفضة» التي تروي قصة حياة التخي عبد الله بن كريو، مبرزا من خلالها علاقته بأصدقائه المقربين مثل جودي مبروك، بلقاسم لهول، سي موحند أومحند، احميدة بن بعيليش، وأسقف الأغواط خلال الاحتلال الفرنسي الذي جمعته بالشاعر مناظرة علمية القليل من روى عنها.