تسعى الجزائر من خلال إصدارها لدفتر شروط يحدد معايير ممارسة نشاط تصنيع السيارات في الجزائر، إلى تحقيق قيمة مضافة حقيقية في الاقتصاد الوطني، من خلال التأسيس لمشاريع تصنيع مستدامة، تساهم بشكل فعال في استحداث مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة، وكذا إقامة نسيج مناولاتي ينشط في مجال صناعة قطع الغيار ومختلف المدخلات التي تحتاجها صناعة السيارات، مثل صناعة البلاستيك والموصلات الكهربائية والالكترونية، وصناعة الألمنيوم والزجاج...إلخ، علاوة على نقل الخبرات وتطوير شعبة الميكانيك، زيادة على الاحتفاظ بجزء من العملة الصعبة المخصصة لاستيراد سيارات العلامة. يرى أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة البويرة البروفسور علام عثمان، أن دفتر الشروط المتعلق بتصنيع واستيراد السيارات، يمكن أن يساهم في تنشيط وتسريع وتيرة قطاع المناولة، وذلك من خلال التأكيد على ضرورة تحقيق نسبة إدماج تدريجية تصل لحدود 30٪ مع نهاية السنة الخامسة من بدء نشاط التصنيع، مما يجعل هذه الشركات المصنعة في حاجة ماسة لمؤسسات المناولة في مجال قطع الغيار ولواحق السيارات. كما أن استفادة شركات التصنيع من نظام جبائي تفضيلي يطبق بشكل أساسي على المواد الأولية والمكونات والمجموعات الفرعية واللواحق المنتجة والمقتناة محليًا، سيشكل حافزاً للماركات المصنعة والمؤسسات المناولة على حد سواء، من أجل الرفع من قدراتها التصنيعية. كما أن إلزام شركات تصنيع السيارات بالقيام بعمليات تصدير عند انتهاء السنة الخامسة من تاريخ الحصول على الاعتماد، طبقًا للتعهدات الواردة في الطلب الأولي، الأمر الذي سيزيد من الطلب على الأجزاء المصنعة محلياً، وسيزيد بالضرورة من نشاط قطاع المناولة التي يجب أن تواكب وتيرة عمليات التصنيع التي ستتسارع شيئاً فشيئاً. ويوضح البروفسور علام عثمان، في حديثه ل "الشعب"، أن إلزام الوكيل المعتمد المستورد للسيارات بضمان مخزون كافٍ من قطع الغيار الأصلية والملحقات ذات الجودة المعتمدة من قبل الشركة المصنعة التي تمنح الامتياز، لتغطية بنود الضمان وخدمة ما بعد البيع للمركبات، سيمنح فرصاً عديدة لمؤسسات المناولة من خلال إبرام عقود واتفاقيات لتزويد المستوردين بقطع الغيار ولواحق السيارات، كما يساهم دفتر الشروط الجديد، بحسب ذات المتحدث، في استحداث مناصب شغل في مجالات متعددة بصفة مباشرة من خلال الوكلاء المعتمدين المستوردين أو من خلال شركات التصنيع، وبصفة غير مباشرة من خلال تنشيط مؤسسات المناولة. ويفيد الخبير الاقتصادي، أبوبكر سلامي في تصريح ل "الشعب"، أن دفتر الشروط الذي فرض على الشركات الراغبة في الاستثمار بمجال صناعة السيارات بالجزائر، احترام معدلات إدماج، لا تقل عن 10% عند نهاية السنة الثانية، و20% عند نهاية السنة الثالثة و30% عند نهاية السنة الخامسة، سيساهم لا محالة في إرساء نسيج مناولاتي تنافسي ومتنوع، بحيث أن هذه النسب المذكورة سلفاً، ستكون عبارة عن قطع غيار وإكسسوارات، تدخل في صناعة السيارات، ولابد أن تكون جزائرية الصنع والمنشأ. وعليه، ينتظر أن تنغمس المؤسسات الجزائرية، صغيرة كانت، متوسطة أو كبيرة، في هذا النسيج الصناعي الذي سيمنحها فرصة إثبات جدارتها وقدراتها الصناعية وفق المعايير الدولية. ويؤكد أبوبكر سلامي، أن هناك العديد من اللوازم وقطع الغيار والإكسسوارات التي يمكن إنتاجها في الجزائر، على غرار الأضواء وزجاج السيارة والمقاعد، الخيوط والأسلاك الكهربائية وبعض القطع الإلكترونية، إضافة إلى هيكل السيارة، والتي تتوفر الإمكانات الصناعية والتكنولوجية والمواد الأولية الخاصة بها محلياً. وعليه ينتظر أن يعرف قطاع المناولة الصناعي والخدماتي في الجزائر انتعاشاً وتطوراً محسوساً بدخول نشاط تصنيع السيارات الخدمة، خصوصاً وأنه سيكون محميا من المنافسة الأجنبية التي لا يسمح بها دفتر الشروط. ويأتي دفتر الشروط الخاص بنشاط تصنيع السيارات، بعد أسابيع قليلة من التوقيع على اتفاقية- إطار بين وزارة الصناعة والمصنّع الإيطالي "فيات" للسيارات التابع لمجمّع "ستيلانتيس"، تهدف لإنشاء مصنع بمنطقة طفراوي بولاية وهران، وهي تعتبر إحدى ثمار الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى دولة إيطاليا، نهاية شهر ماي الماضي، والتي من شأنها –الاتفاقية- إعادة بعث وإحياء شعبة الميكانيك في الجزائر من خلال التأسيس لصناعة مركبات بقواعد صحيحة ونسبة إدماج تتواءم والاستراتيجية التي وضعتها الدولة من أجل خلق نسيج صناعي ومناولاتي نشط. ويرى العديد من الخبراء، أن بإمكان المشروع خلق قيمة اقتصادية كبيرة، بالنظر إلى الإستراتيجية المسطرة في تأسيسه، على عكس تجارب شعبة السيارات السابقة التي لم ترق إلى مستوى التصنيع، بحيث شدد الطرف الجزائري على ضرورة إقامة صناعة حقيقية تعتمد المواد المحلية وتدمج مناولين وصناعيين جزائريين في الدورة الإنتاجية، وقد أبدى الطرف الإيطالي استعداده للعمل وفق هذه الشروط، ما سيقلل من فاتورة استيراد قطع الغيار بالأخص، ويخلق تنافسية في أسعار السيارات التي ستتأثر بالوفرة.