شهد عام 2022 أحداثاً حفرت مكانها في التاريخ دون شك، لعلّ أبرزها هي الحرب في أوكرانيا التي أدخلت العالم في مرحلة من التحولات الكبرى وصدمته بتداعياتها وانعكاساتها الخطيرة. على الرغم من أن الأزمة الأوكرانية هي أزمة جيوسياسية بالأساس ترجع جذورها إلى أكثر من 30 عاماً، إلا أن انفجار برميل البارود مع إعلان روسيا انطلاق عمليتها العسكرية في 24 فيفري الماضي، أدى إلى اندلاع الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، واكتوى العالم أجمع، ولا يزال، بنيران شظاياها. وها هو العام يلملم أوراقه ليرحل، ولا تزال الحرب في أوكرانيا مشتعلة دون أن تبدو لها نهاية وشيكة، رغم وجود مؤشرات على أن أطرافها الأساسيين قد اقتنعوا أخيراً بحتمية البحث عن مخرج دبلوماسي لإنهائها في أسرع وقت ممكن، حيث أعلن الرئيس الروسي بوتين، أمس الأول، استعداده للتفاوض. عندما بدأ عام 2022، كانت أزمة أوكرانيا هي الشغل الشاغل للعالم أجمع، في ظل تقارير أمريكية وغربية تحذر من أن روسيا تحشد قواتها على حدود أوكرانيا، بينما تقول موسكو إنها لا تسعى للحرب، لكنها تريد ضمان أمنها القومي من الخطر الذي يتهدده. والمقصود بهذا الخطر هو سعي حكومة كييف، برئاسة فولوديمير زيلينسكي، إلى الانضمام لحلف الناتو من جهة، وتشجيع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لهذا التوجه، وهو ما تعتبره موسكو تهديداً وجودياً لها. وأشارت مراراً تقارير إعلامية روسية إلى أن بوتين وضع "خطاً أحمر" يتعلق بإلغاء حلف الناتو بزعامة الولاياتالمتحدة لأي خطط تشمل ضم أوكرانيا إلى الحلف، وسعى خلال قمة افتراضية مع بايدن، قبل اندلاع الحرب بأسابيع، إلى الحصول على وعد أمريكي بهذا المعنى. وترجع قصة "الخطوط الحمراء" بين روسياوالولاياتالمتحدة إلى نهايات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق -الذي كان يتزعم حلف وارسو- والمعسكر الغربي وحلفه العسكري "الناتو" بزعامة الولاياتالمتحدة. إذ كشفت وثائق أمريكية وسوفييتية وأوروبية رُفعت عنها السرية مؤخراً، أن وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أكد للرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، في عام 1990 أن الناتو لن يتوسع "بوصة واحدة" شرق ألمانيا، وآنذاك، كان هذا هو الخط الأحمر لروسيا. لكن بعد ثلاثين عاماً، تحوَّل هذا الخط الأحمر من بوصة واحدة إلى نحو 965 كيلومتراً، بعد أن قال فلاديمير بوتين إنه يسعى للحصول على وعد بأن الناتو لن يتوسع شرقاً إلى أوكرانيا. على أية حال، رفض بايدن تقديم أي ضمانات لروسيا، فقرر بوتين شن "عملية عسكرية خاصة" واجتاحت القوات الروسية أوكرانيا يوم 24 فيفري 2022، لتندلع الحرب التي لا تزال مستمرة، ولا يزال خطر تحولها إلى حرب عالمية ثالثة قائماً بطبيعة الحال. شظايا الحرب تصيب العالم أجمع أما عن تداعيات الحرب الأوكرانية، فيمكن القول إنها أثرت على حياة جميع الناس على سطح الكرة الأرضية دون استثناءات. فبمجرد اندلاعها، ارتفعت أسعار النفط والغاز بصورة قياسية وأصيب الاقتصاد العالمي، الذي كان لا يزال يعاني بشدة من تداعيات جائحة كورونا، بركود تضخمي يكتوي بناره الجميع، من أوروبا حيث الحرب، إلى أمريكا وآسيا وإفريقيا وأستراليا. روسياوأوكرانيا تعتبران أهم موردي الحبوب للعالم، إذ تصدران معاً نحو ثلث الغذاء العالمي، وأدت الحرب والعقوبات الغربية على روسيا إلى ارتفاعات قياسية في أسعار الحبوب والغذاء عموماً، مما هدد العالم بمجاعات غير مسبوقة، وتأثرت كثير من شعوب العالم بصورة كارثية. كما تسببت الحرب بأكبر عملية تدفق للاجئين إلى أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبأزمة طاقة مروّعة، واضطرابات اجتماعية تترجمها الاحتجاجات والإضرابات المتفاقمة في العديد من الدول الأوروبية، تنديدا بالسياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات وللمطالبة بمراجعة الأسعار ورفع الأجور.