قطعت عملية إصلاح المنظومة المصرفية أشواطا هامة في اتجاه رفع مستوى الخدمات البنكية الموجهة للمؤسسات الاقتصادية والأسر على حد سواء، قصد المساهمة الفعالة في تمويل الاستثمارات المنتجة من جهة، وتلبية الاحتياجات الملحة للمواطنين في كل ما يتعلق بالجانب الخدمي المصرفي من جهة أخرى. غير أن أداء النظام المصرفي لتحقيق أبرز أهداف الإصلاح لم يتماش ووتيرة الديناميكية التي تتطلبها عملية تمويل الاستثمارات المنتجة وغيرها، بفعل الاجراءات البيروقراطية الثقيلة التي كانت لها انعكاسات سلبية على عملية تسليم القروض وبالتالي على وتيرة تنفيذ وتجسيد المشاريع الاستثمارية في آجالها المحددة، ما ساهم في كل مرة في رفع الكلفة ولكن أيضا في صعوبة تسديد القروض في آجالها المحددة. عراقيل بيروقراطية كانت دائما محل انتقاد واسع من طرف المؤسسات الاقتصادية ولاسيما الصغيرة والمتوسطة منها التي يعول عليها في رفع نسبة النمو وفي توفير مناصب العمل لأعداد متزايدة من البطالين وخاصة فئة الشباب. هذه الانتقادات اتسعت لتشمل المؤسسات والبيئات المالية الدولية التي ركزت في تقاريرها القديمة والحديثة عن الجوانب السلبية التي لاتزال تطبع عمل الجهاز المصرفي، مشددة على ضرورة إعادة النظر في العديد من الاجراءات التي وصفت بالبيروقراطية قصد تسهيل عملية تدفق القروض لتمويل مؤسسات القطاع الخاص بالدرجة الأولى من خلال ميكانيزمات أكثر براڤماتية. ولكل هذه الأسباب جاءت تعليمة الوزير الأول عبد المالك سلال بعد نقاش مستفيض مع ممثلي أرباب العمل والشريك الاجتماعي، حول تقليص آجال منح القروض وتسهيل الاجراءات البنكية التي كشف عن بعض تفاصيلها الأساسية بحر الأسبوع الماضي وستدخل حيز التطبيق بداية من العام المقبل. ولعل أبرز محور في هذه الاجراءات هو رفع الكثير من القيود التي كانت تعيق فتح حسابات بنكية من خلال تبني اجراءات مبسطة وموحدة تخص الوثائق المحددة لهوية الزبون وتنحصر في بطاقة الهوية وشهادة الإقامة، بينما تقتصر الوثائق الخاصة برجال الأعمال على بطاقة التعريف للمسير وثيقة رسمية تثبت العنوان وكذا القوانين الأساسية والسجل التجاري، ويتم كل ذلك من خلال النموذج الموحد المعتمد من طرف البنوك العمومية حول اتفاقية منح الحسابات في شكل استمارة مبسطة تضم كل المعلومات المتعلقة بتحديد هوية الزبون. أما عن عملية التحقق من هذه المعلومات التي كانت تأخذ وقتا طويلا على مستوى النقد والقرض وتزيد من تعقيد الاجراءات البيروقراطية، فإنها وبموجب التعديلات الأخيرة سيتم الاستغناء عنها، استجابة لمطالب أرباب العمل الذين كثيرا ما انتقدوا فرض اجراءات غير ذا أهمية ولا معنى لها في النشاط الاقتصادي والتجاري لتأثيراتها السلبية على محيط المال والأعمال. وفي مقابل ذلك، ومن أجل تسهيل عملية التحقيق عن زبائن البنوك، فإن الأمر أصبح يقتصر وبموجب نفس التعليمة على بنوك المعطيات الموجودة على مستوى السجل التجاري وهيئات الضمان الاجتماعي والتقاعد وإدارة الضرائب ومصالح أملاك الدولة والحفظ العقاري التابعة لمصالح وزارة المالية، وهي المهمة التي تقع على عاتق عدة وزارات مثل المالية والتشغيل والضمان الاجتماعي والتجارة، المكلفة بوضع شبكة خاصة في أقرب الآجال وذلك قبل نهاية الشهر الجاري. الإجراء الآخر الذي لا يقل أهمية عن الاجراءات الأخرى المتضمنة في التعليمة الحكومية وتمس بالدرجة الأولى عملية تسهيل حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على القروض الاستثمارية، التي يبقى تطورها لا يتماشى وقدرة النظام المصرفي على التمويل، خاصة وأن أرقام بنك الجزائر تشير إلى استمرار ارتفاع الادخار على الاستثمار، ما يعني أن السيولة النقدية التي تتوفر عليها البنوك لا تستغل في دائرة الاقتصاد، مثلما يفترض، خاصة تلك الموجهة للمشاريع الاستثمارية المنتجة، على الرغم من ارتفاع القروض الموجهة للاقتصاد خلال السنوات القليلة الماضية في شكل قروض وزعت مباشرة إلى جانب ارتفاع نسبة القروض المتوسطة وطويلة المدى، الموجهة بالأساس لتمويل المشاريع الاستثمارية. تطور القروض الموجهة للاقتصاد، يبقى دون الهدف المسطر على الرغم من التدابير العديدة التي اتخذتها السلطات العمومية لتسهيل الحصول عليها لفائدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بسبب جملة التعقيدات التي رصدتها الهيئات الممثلة لأرباب العمل، ولهذا الغرض فقد تم تكليف وزير المالية بالسهر على تجسيد التدابير المتعلقة بتقليص آجال الرد على طالبي القروض ودعم أدوات التمويل الجديدة، من أجل رفع نسبة القروض الموزعة من طرف البنوك إلى مستويات أعلى لتتعدى 15٪ مثلما يرغب في ذلك ممثلو القطاع الخاص مقابل 13٪ في الوقت الراهن حسب الأرقام الرسمية، في حين أن القطاع العمومي استفاد من قروض تناهز 28٪، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار للديون غير الناجعة التي تطورت بدورها لتنتقل من 9 ، 5 ٪ في 2010 إلى 14٪ في سنة 2011 وهو تحدى آخر يواجه النظام المصرفي. هذا التحدي أو ما يعرف بتسيير خطر القرض ورد في تعليمة الوزير الأول التي تنص على ضرورة إجراء تشاور بين وزيري العدل والمالية ومحافظ بنك الجزائر، بعد تسجيل ارتفاع الديون غير الناجعة بمختلف تصنيفاتها، أي ذات المخاطر المحتملة والديون المشبوهة مقاربة بالمعايير الدولية، مما دفع إلى تشكيل المؤونة الخاصة بها بنسبة 06 ، 72 ٪ المصارف العمومية و 02 ، 75 ٪ للمصاريف الخاصة. التعليمة الحكومية التي تحمل العديد من الاجراءات التبسيطية لتسهيل منح المزيد من القروض الناجعة ورفع العراقيل التي صعبت عملية فتح الحسابات البنكية، لاشك أنها تكون قد أدخلت الكثير من الارتياح لدى الزبائن البنوك عموما، غير أن فعاليتها وتأثيراتها المباشرة ستبرز على وجه التحديد عندما تدخل حيز التنفيذ في الشهر المقبل.