احتضن النادي الثقافي صلاح الدين مهدي بمناسبة الذكرى السنوية لعيد النصر ببرج بوعريريج، محاضرة تاريخية بعنوان "الثقافة والمقاومة..الثورة التحريرية نموذجا"، من تنظيم جمعية عين للإبداع الثقافي بالتنسيق مع نوميديا الثقافية، وبمشاركة باحثين وروائيين على غرار رئيس قسم التاريخ ببرج بوعريريج الدكتور عمال جبري، والروائي رفيق طبي، مدير دار النشر خيال، ومن تنشيط الناقد الأدبي ورئيس نادي همزة للقراءة بلقمري عبد الباسط. أبرز المشاركون خلال المحاضرة التاريخية التي نظّمتها جمعية إبداع الثقافية، بالتنسيق مع جمعية نوميديا ونادي همزة للقراءة، الفعل الثقافي المقاوم للمستعمر الفرنسي الذي حاول طمس كل المقومات الثقافية والاجتماعية للجزائريين منذ بداية احتلاله للجزائر، من خلال استحضار تلك الكتابات والإسهامات التي ارتبطت أسماؤها بالمقاومة الثقافية عبر الروايات والكتابات التاريخية التي تجسّد لهذه المقاومة. واعتبر الكاتب والروائي صاحب دار النشر خيال، رفيق طايبي، أن موضوع المقاومة الثقافية في الجزائر، يعد من أبرز المقاومات الفكرية والثقافية، التي ينبغي أن تحظى باهتمام الجزائريين، لارتباط المقاومة الثقافية بمختلف السياقات التي تكثر فيها المحاولات لتزييف الوقائع التاريخية، والمحاولات البائسة لبناء ثقافة تخدم أجندة ضيقة ومصالح معينة، كما أن موضوع المقاومة الثقافية على حد قوله، موضوع متجدّد ومستمر في نفس الوقت، بدأ منذ دخول المستعمر الفرنسي إلى الجزائر وما زال إلى يومنا هذا، ويتجلى ذلك في الأسماء والكتابات التي كان لها الدور البارز والأساسي في توعية الشعب الجزائري بالحرية، وبالحق في الاستقلال، وأسماء ما زالت تسهم إلى غاية اليوم في بناء الخيال الجمعي والملهم لهذا الشعب، مثل هنري علاق ومفدي زكريا، والأسماء الدينية التي ساهمت في مقاومة المستعمر الفرنسي. واعتبر الكاتب والروائي رفيق طايبي، أن المقاومة الثقافية لا تزال مستمرة ولا نزال بحاجة إليها في هذه السياقات المربكة والمهيمنة من طرف القوى الامبريالية، والتي تحاول أن تفرض ثقافتها على شعوب العالم الثالث، قائلا "ينبغي لنا نحن كمثقفين أن نبرز تلك الشخصيات التي ناضلت وكافحت، وتستحق إلى غاية اليوم أن نكرمها ونذكرها ونعلمها لأبنائنا ضمن المناهج الدراسية". من جانبه، تطرّق الدكتور جبري عمر خلال المحاضرة إلى إبراز المقاومات الثقافية، من خلال التركيز على رجال الدين والطرق الصوفية ورجال الزوايا والكتاتيب، والمقاومة الشعبية كالأمير عبد القادر الجزائري، وغيرها من الأسماء التي حافظت على اللغة العربية والثقافة الوطنية الجامعة في الجزائر. كما تطرّق خلال المحاضرة إلى موضوع السياسة الاستعمارية في الجزائر من خلال سياسة التجهيل والإدماج، التي عمد إليها خلال فترة الاحتلال وردود الأفعال المختلفة من طرف الحركة الإصلاحية التي ظهرت في الجزائر، والتي قادتها نخبة مثقفة ثقافة مشرقية مثل جامع الزيتونة والأزهر الشريف وجامع القرارين، كما أبرز الدكتور جبري إسهامات الحركة الوطنية الممثلة في جمعية العلماء المسلمين والمقاومة الثقافية والفكرية والمسلحة، إلى جانب التطرق إلى المقاومة الثقافية خلال ثورة التحرير المباركة، والتي برزت من خلال إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956، حيث وقفت هذه النخبة حجرة عثر في وجه السياسية الاستعمارية، وقاومت بالثقافة والقلم، جنبا إلى جنب مع المقاومة المسلحة من أجل نيل الاستقلال: في ذات السياق، اعتبر رئيس نادي همزة للقراءة بلقمري عبد الباسط، أنّ هذا النشاط الثقافي يندرج في إطار النشاطات الثقافية التي تعكف جمعية نوميديا بالشراكة مع مختلف الفاعلين الثقافيين على مستوى الولاية على تكريسها، خاصة خلال المناسبات الوطنية والعالمية، بهدف التعريف بالمقاومة الثقافية وعلاقتها بالفن، وكيف كان لهؤلاء موطئ قدم في محاربة المستعمر، لاسيما فيما تعلق بالهوية الجزائرية واللغة العربية، مع إبراز السياسات الاستعمارية والأدوات التي استعملها مرارا، في القضاء على الهوية الجزائرية من خلال هاذين العنصرين "الدين واللغة".