ثمّن الخبراء والمتابعون للشأن الفلاحي بالجزائر، دعوة الرئيس تبون العاجلة لإنشاء ديوان خاص يتولّى شراء كل المنتجات الفلاحية ذات الاستهلاك الواسع، من خضر وفواكه قابلة للتخزين بهدف تحقيق توازن في السوق الوطنية، منوهيّن باعتبار الرئيس جهود الفلاحين خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، ودعا الخبراء إلى ضرورة توفير الآليات والميكانيزمات اللازمة لمرافقة هذا الديوان وضمان أدائه للمهام المنوطة به، لضمان ربح معقول للفلاح وسعر في المتناول للمستهلك. يرى الخبير الفلاحي أحمد مالحة، أنّ إنشاء ديوان خاص يتولّى اقتناء كل المنتجات الفلاحية ذات الاستهلاك الواسع، خطوة هامّة في سبيل تثمين جهود الفلاح والإنتاج الوطني، ويضيف أن الحديث عن ديوان وطني متخصص يقودنا إلى الحديث عن الإنتاج الفلاحي، والأريحية التي يفترض أن يعمل فيها الفلاّح، وحتى المستهلك الذي يطمئن لوفرة السلع. وقال مالحة إنّنا في كثير من الأحيان ننتج خضرا وفواكه بطريقة تقودنا الى تحقيق الاكتفاء، وفائض في السوق في فترة معيّنة من الموسم الفلاحي، وفي كثير من الأحيان، يؤدي ذلك الى تضرّر الفلاح، بينما يؤدي في أحيان أخرى إلى ارتفاع الأسعار بطريقة غير مباشرة، لذلك - يواصل مالحة - ننتظر من هذا الديوان أن يسهم في تنظيم الإنتاج والحد من ظاهرة فساد الفائض من المنتوج، أو تكبد الفلاح لخسائر معتبرة بعد بيع منتوجه بأثمان بخسة. ومن جهة أخرى، لفت محدّثنا الانتباه الى الإجراءات والميكانيزمات التي تسيّر هذا الديوان، فاليوم هناك مئات الآلاف من الفلاحين - يقول مالحة ثم يتساءل - هل كل الفلاحين معنيين بدفع منتجاتهم من خضروات وفواكه لهذا الديوان على شكل فرادى أو جماعي؟"، وأضاف: "نقترح إعادة إنشاء التعاونيات الفلاحية التي صدر قانونها منذ أكثر من سنة، لكن تأسيس التعاونيات يسير بشكل بطيء جدّا، والسؤال المطروح هنا حول عزوف الفلاحين عن تشكيل التعاونيات". وأوضح الخبير الفلاحي مالحة أنّه ينبغي إقناع بالانخراط في التعاونيات، فهذه إن لم ترافق الفلاح، ولم تقدّم له ما يحفّزه، فإنه لن يجد ما يدعوه للانخراط فيها، وعلى هذا - يواصل مالحة - نقترح إنشاء التعاونيات الفلاحية في شعب مختلفة تحمل امتيازات تتعلق بالقروض أو المدخلات الفلاحية، كالأسمدة والبذور والأعلاف وأمور أخرى، بالإضافة إلى تسهيلات في التأمينات الفلاحية، والتكفل ببيع المنتوج إذا كان هناك فائض في الإنتاج. وألّح محدّثنا على ضرورة التكلم عن تسقيف الأسعار، كما أنّ الفرصة مناسبة للحديث عن ضرورة التوجه نحو إنتاج المدخلات الفلاحية، فنحن نستورد كثيرا من المدخلات الفلاحية من الأسواق الدولية، وسعرها يتأرجح بين الاستقرار والارتفاع، لذا، حان الوقت لإنتاج 50 بالمائة على الأقل، من الكمية التي تحتاجها فلاحتنا من مدخلات هي الأساس في استقرار الأسعار. وقال الخبير مالحة إنّه بعد ضمان إنتاج نسبة معينة من المدخلات الفلاحية محليّا، يمكن الحديث أو التفكير في تسقيف الأسعار، من خلال دراسة تكاليف إنتاج كيلوغرام واحد من منتوج فلاحي واسع الاستهلاك بطريقة تراعي سعر المدخلات المنتجة محليّا، وأشار محدثنا إلى أنّ هذه هي الطريقة المثلى لمرافقة الفلاحين ولمحاربة المضاربة غير الشرعية، مؤكّدا أنّ هذه الآليات بإمكانها مرافقة الديوان الوطني الذي أمر الرئيس بإنشائه، وهذا الأخير لا يمكنه لعب الدور المنوط به إلا إذا تمّ توفير الآليات والميكانزمات اللاّزمة لتسييره. من جهته، يرى الخبير الفلاحي لعلا بوخالفة من بين أهم مخرجات اجتماع مجلس الوزراء الأخير إنشاء ديوان وطني مكلف لاقتناء وشراء المنتوجات الفلاحية مباشرة من عند الفلاحين، وخاصة فيما يتعلق بالفائض من المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع كالبطاطا، البصل والثوم التي غالباً ما تسبّب مشاكل للمزارعين من جانب التخزين والتسويق، وذلك بسبب عدم توفر إمكانات التخزين لديهم، وغالباً ما يكون مصير هذه المنتوجات التلف، وبالتالي الخسارة التي ترغم الفلاحين على تقليص الإنتاج، وهو ما يتسبب في الندرة والتهاب الأسعار. وقال لعلا: "لهذه الأسباب، نثمّن القرار الذي جاء به رئيس الجمهورية، الذي كلّف وزير الفلاحة والتنمية الريفية بتقديم مشروع إنشاء الديوان الوطني لتسيير المنتوجات الفلاحية ذات الاستهلاك الواسع". ويرى الخبير لعلا أن من بين مهام الديوان الرئيسية، شراء المنتوجات مباشرة من عند الفلاحين ومعالجتها، وتخزينها وتسويقها حسب طلبات السوق لتفادي حدوث الندرة، وبالتالي ارتفاع أسعارها كالظاهرة التي عرفتها مؤخرا مادة البصل، مع ارتفاع سعرها غير المعقول، والآن - يواصل لعلا - نلاحظ ظاهرة عكسية مع مادة الثوم التي تزعج الفلاح من جانب التسويق بسبب تدني أسعارها. وقال محدّثنا إنّ التساؤل يبقى مطروحا حول مصير الديوان الوطني الخضروات واللحوم الذي أنشئ عام 2009، ولم يقم بمهامه التي أنشئ من أجلها. وثمّن لعلا هذه الفكرة التي قال بشأنها: "نحن بأمسّ الحاجة إليها فهي تهدف إلى وضع آليات تنظيم أسواق الخضروات والفواكه والبقوليات الجافة وكافة المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، كما نتمنى أن تلعب دوراً كبيراً في تنظيم الأسواق وتفادي تدني مستوى الأسعار التي تعيق السير الحسن للعمل الفلاحي، وتحدّ من الارتفاعات الجنونية لأسعار المواد الفلاحية التي تضع المستهلكين موضع حرج حين يجدون أنفسهم مجبرين على شرائها بأثمان تفوق قدرتهم الشرائية". ودعا الخبير الفلاحي إلى تعميم مهام هذا الديوان على مستوى كافة مناطق الوطن بدون استثناء لتمكين كافة المستهلكين من الاستفادة، مشيرا الى ضرورة إعادة بعث أسواق الجملة ومراكز التخزين ووسائل النقل، لتمكينه من لعب الأدوار الرئيسية في تنظيم الأسواق وتفادي الفوضى العارمة التي تتميز بها أسواقنا حالياً. كما دعا إلى إعادة إحياء فكرة "أسواق الفلاح"، لتكون تحت وصاية الديوان، بقصد تسهيل التسويق والتقرب من المستهلك، والتفكير أيضاً في وضع أسواق الجملة للخضروات والفواكه تحت تصرف الديوان، للتحكم في سلسلة التوزيع وغلق الأبواب أمام الانتهازيين الذين غالباً ما يكونون سببا في حدوث المضاربة. من جهة أخرى، أوضح الخبير الفلاحي لعلا بوخالفة أنّ إنشاء مثل هذه المؤسسات يجب أن يخضع لعمل استراتيجي وتنظيم محكم ومتابعة ميدانية لتفادي كل الانزلاقات، ومنع استغلال مثل هذه الفرص من طرف الانتهازيين، وهذا يتم عن طريق تكثيف الرقابة والمتابعة الميدانية، وأضاف: "هذا الديوان سيكون همزة وصل بين الفلاحين والمستهلكين من أجل حماية الطرفين، بمعالجة الفائض من المنتوجات الفلاحية بشرائه، معالجته وتخزينه قصد الحفاظ على معقولية الأسعار، وتفادي الممكنة، واستخراج المخزون عند الحاجة، لتفادي الارتفاعات الجنونية لأسعار هذه المواد الغذائية.