تطرقت أول أمس الأستاذة إيمان كاسي موسى في قصر رؤساء البحر أثناء تقديمها محاضرة جاءت تحت عنوان "الزربية المزابية تراث غير مادي متعدد الوظائف"، إلى الحديث عن التراث الجزائري اللامادي، وذلك من خلال دراسة قامت بها حول الزربية المزابية، وأهم ما تناولته من محاور متعلقة بالبعد الأنثروبولوجي والاجتماعي للزربية المزابية التي تعد تراثا ثقافيا لاماديا ذو وظائف متعددة، كما عرف اللقاء إضافات قيمة أثرت الموضوع بكثير من المعلومات الهامة، بادر بها ثلة من الدكاترة والباحثين والمهتمين بالموروث الجزائري. ذكرت ضيفة قصر رياس البحر، إيمان كاسي موسى، بتعدد أشكال ورموز الزربية الميزابية التي اهتم المستشرقون بدراستها منذ مطلع القرن الماضي، وتفتح الباب أمام دراسات متخصصة حاليا، مشيرة إلى أن العلاقة بين دوال ومدلولات تلك الرموز ما زالت اعتباطية تحتكم في كلّ حين إلى الميكانيزمات الاجتماعية لكلّ حقبة زمنية". وقالت المتحدثة إن "معطيات الموضوع اختلفت بين الدّراسات النظرية والميدانية، لتفضي إلى حقيقة مفادها التغير الدؤوب للمخيال الجمعي ذاته الذي رسم قيما وبنى اجتماعيّة تحرّك المشهد الثقافي، وقد عكسها أكثر من 300 مثل شعبي في فنّ النسيج ما يزال متداولا اليوم، بدون أن ننسى ما تزخر به الزّرابي التقليدية من أشكال ورموز تؤدي وظائفا اتصالية وتعبيرية واقتصادية وأحيانا جمالية بحتة، فيما ترتبط هذه الأخيرة بالحداثة التي تعتبر الزرابي مصدرا للزينة والترف عكس ما كانت عليه قديما كحاجة أساسيّة وأمرا لا مناص منه للكسوة والعيش"، وقالت "وبين هذا وذاك، تظل الرموز المتواجدة بالزرابي بمثابة راو للتّاريخ بحلوه ومرّه ولحقب زمنية اختلفت فيها وظائف استخداماتها انطلاقا من رمزيتها". وأفادت إيمان كاسي، بأن الزربية الميزابية كانت محل دراسات من الناحية المرئية أو التقنية من طرف عدة باحثين من بينهم "مارسيل ميرسييه" و«أرنو موريار"، مؤكدة أيضا أن هناك من استشرف مآل الزربية الجزائرية عموما أمثال لوسيان فولفان، دون إغفال من تعرّض للعادات والتقاليد المرتبطة بالزربية المزابية كالباحثة "أميلي ماري قواشون" في تناولها للحياة النسوية في مزاب، و«إيميل درمنقم" الذي لجأ إلى ربط ذلك بتركيبة السكان في المنطقة، ناهيك عن "جويل أبوتو" الذي كان من أوائل الذين درسوا وضع المنطقة في عصور ما قبل التاريخ وطبيعة تفكير الإنسان البدائي. الزربية الميزابية.. مكنون ثقافي ومخيال اجتماعي تمتعت الزربية الميزابية - تقول كاسي - بعدة وظائف، الأمر الذي مكننا في دراسة جامعية (2014 /2015) من مقاربة عدة مفاهيم بينت أن المجتمعات القديمة التي سميت بالبدائية هي من أرقى المجتمعات، باعتبارها أحسنت ثم أدركت ثم عبرت عما يحيط بها، فأنتجت فن النسيج، لتتطور إلى انتاج وصناعة زربية تمثل نسقا مجتمعيا، وعليه يمكننا القول إن الزربية الميزابية تعد تراثا ثقافيا لا ماديا متعدّد الوظائف، وقد تحكمت في ذلك عوامل عدة لعل أهمها ظروف إنتاج هذا المكنون الثقافي، ومختلف الرموز التي يحويها، وكذا العادات والمخيال الاجتماعي والاعتقاد المتصل به. وتطرقت كاسي إلى المستشرقين الذين تناولوا الزرابي الجزائرية بالدراسة، بدءا بالفنانين، حيث يعتبر أوجان دولاكروا وبابلو بيكاسو (1972-1881) وهنري ماتيس (1954-1869) من أوائل الفنانين الذين زاروا شمال إفريقيا ووظفوا الزربية في أبحاثهم وأعمالهم الفنية، سواء ضمن المدرسة الرومانسية التي استلزمت توظيف الألوان الزاهية مثلما هي الحال في لوحة Les femmes d'Alger أو في المدرسة التكعيبية من خلال 14 لوحة صورت لوحة دولاكروا ذاتها وجعلت للزربية حصة الأسد فيها. وظائف وأبعاد الزربية الميزابية وواصلت كاسي: "علاوة على ما تزخر به هذه الزربية من ألوان وأشكال، فإن للزربية الميزابية ميزات معينة منها ما تعلق باللون ومنها ما له دلالة بالرمز، إلى جانب أبعادها المتباينة على غرار البعد الاتصالي والزماني والمكاني والتي تحدد إطارها العام وخاصيتها المنفردة، ناهيك عن وظيفتيها الاتصالية والتعبيرية"، حيث أوضحت بأن الوظيفة الاتصالية جاءت من منطلق أنها كانت في مرحلة من المراحل عبارة عن رسالة مشفرة تقدمها البنت لزوجها المستقبلي، بحيث دأبت الفتيات قديما على النسج منذ الصغر، أما وظيفتها التعبيرية فجاءت من منطلق أن النسوة كن يمارسن حرفة النسيج كتعبير عن أحوالهن وأفراحهن والواقع المحيط بهن.