تسعة عشر عاماً، سرق الاحتلال وسجونه من حياة الاسير صلاح الدين محمد إبراهيم أبو جلبوش الذي إستقبل عامه الاعتقالي الجديد في سجن "هدريم"، بصمود وتحدّ وإرادة، كما تقول شقيقته إيمان التي لا تتوقف ووالدتها عن التضرع لرب العالمين ليعود لمنزلها ويتحطم القيد وينتصر على حكمه بالسجن مدى الحياة، معبرة عن إيمانها الكبير أنه "رغم كل صور العذاب ورحلة الألم على بوابات السجون، كلنا ثقة برب العالمين أن يفرح قلوبنا بحريته، فكل يوم يتجدد فينا الأمل، وفي كل زيارة، نرى بشائر الفرج في عينيه وكلماته وروحه التي يقهر بها السجان وتصبرنا أكثر"، وتضيف: "تلك القضبان اللعينة، قادرة على تفريق أجسادنا، لكن أرواحنا دوماً تتعانق مع صلاح المتواجد معنا وبيننا، في كل حديث ولمة شمل عائلية ومناسبة لأنه حياتنا وكل شيء جميل في عالمنا الذي لن يعود لحالته الطبيعية إلا عندما نراه حراً". صور من الذاكرة.. إيمان التي يكبرها شقيقها صلاح بعام واحد فقط، وتربطها علاقة قوية ووطيدة معه، وكوالدتها الستينية نجاح "أم ضياء"، لا تتوقفان عن الحديث عنه، فهو كما تقول: "نوارة المنزل والعائلة التي تفتقده وتحبه كثيراً، لما تميز به من أخلاق عالية وروح المحبة والوفاء، كان صاحب قلب كبير وحنون ومعطاء لأبعد الحدود، كل لحظة، استعيد صوره وذكريات طفولتنا التي عشناها معه، خاصة أنني كنت المميزة والمقربة لديه بين أفراد أسرتنا" وتضيف "دوما كان مرحاً وصاحب حضور بشخصيته الرائعة والجميلة في كل شيء، ترك في كل زاوية من منزلنا وحياتنا ذكريات نعتز ونفخر بها، فلا يمكن لأحد أن يسد مكانه أو يعوضنا عنه". الحياة والاعتقال.. يعتبر صلاح الثاني في عائلته المكونة من 11 نفر، قبل 41 عاماً ولد في قريته مركة جنوب جنين التي نشأ وتربى فيها، وتروي إيمان، أنه كان صاحب طموح وتمتع بالذكاء وحب الدراسة والتعليم، تلقى تعليمه في مدارس قريته حتى أنهى الثانوية العامة بنجاح، وقد التحق بجامعة النجاح الوطنية في نابلس تخصص اقتصاد، وبعد عامين وخلال استعداده للعام الجامعي الثالث، قطع الاحتلال عليه الطريق وحوله من طالب علم لأسير. في وضح النهار، اعتقل الاحتلال صلاح، بتاريخ 12/10/2001، وتفيد إيمان، أن العشرات من الآليات العسكرية، اقتحمت القرية قبيل موعد صلاح الظهر، حاصرت منزلهم الذي اقتحمه الجنود بحثاً عن صلاح، وعندما لم يجدوه، بدأت حملة تفتيش وبحث واسعة، وتقول: "مئات الجنود مدججين بالسلاح، انتشروا في أنحاء منزلنا والمنطقة المجاورة، وعندما وصلوا لمنزل الأسير وائل أبو جلبوش، فجروا بوابته واقتحموه بطريقة مروّعة، عثروا على شقيقي واعتقلوه، واقتادوه معهم دون معرفة الأسباب". الأيام العصيبة.. الأصعب من صدمة اعتقال صلاح بالنسبة لعائلته، انقطاع أخباره لفترة طويلة، وتقول شقيقته: "على مدار ثلاثة شهور، لم تجف دموع والدتي في ظل انقطاع أخباره، عزله الاحتلال في الزنازين الانفرادية رهن التحقيق في سجن الجلمة ولم يسمح بزيارته حتى للمحامين، فعشنا أيام عصيبة لخوفنا وقلقنا على حياته"، وتضيف: "لم تنته معاناتنا، فبعد انتهاء التحقيق حرمنا من زيارته وبعد عامين استطعنا زيارته ومعرفة ما تعرض له بعد فترة غياب طويلة، فقد كنا نراه فقط عن طريق جلسات المحاكم التي دامت عامين حتى حوكم بالسجن بالمؤبد مدى الحياة"، وتكمل: "انضم إلى رفاقه الأسرى وشارك في كافة معارك الامعاء الخاوية، وبرز دوره ونشاطه لخدمة الأسرى خلف القضبان، وفي إحدى المرات، تعرض للضرب والتنكيل من وحدات القمع في سجن ريمون". إكمال الدراسة الجامعية.. في سجن "هداريم"، استقبل صلاح عامه الاعتقالي الجديد، وتقول شقيقته: "نشعر باعتزاز كبير لصموده ومعنوياته العالية وتحدّيه للاحتلال وسجونه، 19 عاماً، عاقبوه وعذبوه بكل الاساليب، وعندما التحق بالجامعة، تعمدوا نقله وعقابه وعزله، لكنه صمم وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ"، وتضيف "تعلم شقيقي اللغات العبرية والانجليزية والالمانية والروسية، وحالياً يكمل درجة الماجستير التي تؤكد أن ارادة الأسير أقوى وأكبر من الاحتلال الذي سنحتفل يوما بخلاصنا منه وكسر قيوده وهدم سجونه.. لأن تضحيات شقيقي وكل شعبنا لن تذهب هدرا.. فالنصر صبر ساعة". نجاح تنتظر النجاح.. في كافة معاركها مع الاحتلال، صبرت وانتظرت الوالدة الستينية نجاح وانتصرت في مساندة نجلها ومؤازرته ورفه معنوياته، تحدت الامراض المزمنة ورغم خضوعها لعملية قسطرة، لم تتأخر عن زيارته حتى حلت جائحة كورونا، وتقول كريمتها إيمان " تسلحت بالصبر والايمان، لكن عاشت في كل ثانية ودقيقة مأساة لشوقها لضمه لأحضانها وحنانه.. لكنها لم تسمح لدموعها بأن تظهر لحظة، وكلما تزوره، تعود أقوى ومصممة على التحدي بانتظار النجاح الكبير في كسر قيده"، وتضيف: "بعد آخر زيارة لها في 27/7/2020، عادت للمنزل بأجمل صورة وبحالة فرحة بعدما زارته وشاهدته، لكنها في كل يوم تجهز نفسها بانتظار صفقة جديدة تجمع شملها بصلاح وتبدأ مراسم الفرح".