منذ أيام، لم يغمض جفن الوالدة الستينية نوال أبو وعر، لشدة خوفها وقلقها على حياة نجلها الأسير المريض كمال نجيب أبو وعر، في ظل الأنباء التي أشارت لتدهور خطير على وضعه الصحي بسبب معاناته من ورم سرطاني في الحنجرة منذ عامين. وبينما أطلقت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير حملة واسعة للضغط على الاحتلال لإطلاق سراحه فوراً، قالت والدته: “إلى متى سيبقى الاحتلال يتحكم بحياة كمال الذي دخل مرحلة الخطر؟ أين مؤسسات حقوق الإنسان والمتباكين على العدالة والديمقراطية؟ فكل لحظة وثانية في حياة ابني تفرق وتؤثر كثيراً ، فأعيدوه إلى أحضاني حياً، وأنقذوه من الموت البطيء قبل فوات الأوان”. مضاعفات خطيرة وكشف تقرير لنادي الأسير الفلسطيني أن الفحوص التي أجريت للأسير كمال مؤخراً، أثبتت أن حجم الورم الذي يعانيه ازداد، كما بدأ يُعاني من نقص في الوزن وعدم قدرة على الكلام في التواصل مع رفاقه الأسرى، وبدأ يعتمد على الكتابة في ذلك، ما يؤكد عدم نجاعة العلاج الذي يتلقاه، رغم انه خضع خلال الفترة الماضية ل50 جلسة علاج إشعاعي. وتقول والدته “أي شريعة أو قانون في العالم يجيز مواصلة إعتقال شخص يعيش ويعاني هذه الظروف؟ لماذا لا يحرك أحد ساكناً وينقذه من السجون التي تعتبر مدافن للاحياء؟.. أُناشد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية وكل القوى وشعبنا، التحرك الآن وبشكل مستمر، والوقوف مع ابني الذي ضحى بحياته وحريته من أجل شعبه وانقاذه ، لا أريد من الدنيا سوى رؤيته حياً”. الإهمال والسرطان وتؤكد المواطنة نسرين، شقيقة الأسير كمال، أنه قبل اعتقاله تمتع بصحة ممتازة، ولم يكن يعاني من أي مشاكل صحية، لكن معاناته بدأت بعد سنوات، بسبب ظروف الاعتقال الصعبة والتحقيق القاسي الذي تعرض له، وتقول: “بشكل تدريجي بدأت تنهار صحته جراء إهمال علاجه، حيث بدأت رحلة الوجع باكتشاف زيادة في نسبة الحديد لديه، ثم إصابته بتقرحات في المعدة وديسك، وفجأة بدأ يشكو من ألم لا يتوقف في الفم والحنجرة، ولم تستجب إدارة السجون لطلباته بالعلاج حتى انهارت حالته الصحية بشكل كامل، وبعدما تأخر الوقت، أجريت الفحوص وصور الأشعة لأخي كمال، والتي كشفت الكارثة الكبرى التي حلت بحياته، حيث تبين إصابته بسرطان في الحنجرة والأوتار الصوتية، فقدمنا العديد من الطلبات لإطلاق سراحه كي يتسنى لنا علاجه وإنقاذ حياته، لكن الإحتلال رفض رغم تكرار حوادث استشهاد الأسرى نتيجة الإهمال الطبي”. العلاج الكيماوي في نهاية العام الماضي، بدأ الأسير كمال يخضع للعلاج الكيماوي في مشفى رمبام، الإسرائيلي، حيث تقول شقيقته نسرين: “المرض أثر على صحة شقيقي كثيراً، ونشعر بخوف لأن الإحتلال لا يوفر له ظروف العلاج والرعاية الصحية المطلوبة، فهو يخضع لجلسات العلاج وفق برنامج حدده ويتحكم به الاحتلال الذي لم يراعي حالته الصحية”. وتضيف: “إضافة إلى قيده الكبير كأسير مسلوب الحرية، فإنه يتلقى العلاج وهو مقيد في المستشفى، فخلال العلاج الكيماوي، يقوم الجنود بثتبيته على السرير مقيد اليدين والقدمين بالاصفاد الحديدية، ويلازمه 3 سجانين يحاصرونه ولا يفارقونه لحظة، وكلما نقل من السجن للعلاج يتعرض لمعاملة قاسية، وممارسات تعسفية من الجنود”. من حياته ولد كمال قبل 46 عاماً، في دولة الكويت ليكون الثاني في عائلته المكونة من 6 أنفار. وتقول شقيقته نسرين: “بعد النكسة، سافر والدي إلى الكويت، عمل موظفاً في شركة خاصة واستقر بعدما تزوج ، وولدنا جميعاً هناك، عشنا وتعلمنا وتربينا في الغربة حتى اندلعت حرب الخليج ، فانتقلنا للاردن واستقرينا هناك حتى عام 1998، حيث عدنا للوطن واستقرينا في مسقط رأس والدي، بلدة قباطية، أما بالنسبة لكمال ، فقد تعلم في عمان ونجح في الثانوية العامة وانتسب لحرس الرئاسة، القوة 17، وأكمل مشواره معها بعد العودة للوطن وحتى اليوم لا يزال على رأس عمله”. طريق النضال انتسب كمال لحركة “فتح “، وهو في ريعان شبابه، و”شارك في الفعاليات الوطنية، خاصة خلال انتفاضة الاقصى، بشكل سري، وانخرط في صفوف المقاومة، ولم نعلم بنشاطه حتى تعرض منزلنا للمداهمة وأصبح كمال مطلوباً للاحتلال ” كما تقول شقيقته. وتضيف، “رفض تسليم نفسه، واستمرت مطاردته حتى حاصرته الوحدات الاسرائيلية الخاصة بعدما اكتشفت مخبأه بمنزل مهجور في قباطية في تاريخ 15 1 2003، وخاض معركة بطولية مع الاحتلال الذي حول المنطقة لثكنه عسكرية وساحة حرب ، ولم يتمكن من اعتقاله إلا بعد نفاذ ذخيرته”. خلف القضبان بعد التحقيق والعزل على مدار مئة يوم في زنازين سجن الجلمة الانفرادية، بدأت دوامة الوجع الجديدة لعائلته بين المحاكم، حتى حوكم كمال، وصدر ضده حكم بالسجن المؤبد 6 مرات و 50 عاماً. وتقول شقيقته: “أكمل كمال مشواره النضالي خلف القضبان، فعاقبه الاحتلال بالنقل والعزل ومنع الزيارات، لكنه صمد وتحدى، وقبل المرض خاض امتحانات الثانوية العامة ونجح وانتسب للجامعة للحصول على شهادة البكالوريوس، وبعدما قطع عدة فصول، نقله الاحتلال من سجن هداريم إلى عدة سجون أُخرى لمنعه من التخرج، ثم أصابه المرض الذي أثر على صحته، ولم يمكنه من إكمال دراسته”.وتضيف: “اعتقاله بدد أفراحنا والسعادة من بيننا، فأصبحت لا تجف دموع والدتي حتى في المناسبات السعيدة، وعندما تزوج إخواننا، لم تفرح، وحتى بعدما أصبح لديها أحفاد، والأكثر ألماً، أن الأحفاد لا يعرفون عمهم وخالهم لأن الاحتلال يمنعهم من زيارته”. صرخة الأمل وسط رعاية واهتمام رفاقه الأسرى في سجن “جلبوع “، لا يزال الأسير كمال يتحدى المرض ويقاومه، وأطلقت الحركة الأسيرة صرخة عاجلة لإنقاذ حياته. وتقول شقيقته “سجون الاحتلال خطفت من عمر شقيقي 17 عاماً، إضافة إلى المرض الذي بات يعانيه جراء ذلك، ولكن أملنا بالله أن نراه بيننا قريباً”.