تعليم الجيل الناشئ اكتساب المهارات الاتصالية الجديدة يُثير تطور الاستخدامات الرقمية وتوسع استعمالاتها مسائل غاية في الأهمية لدى الدول والحكومات، بالنظر إلى ما أفرزته من ظواهر وتداعيات على الأفراد والمجتمعات والمؤسسات، هذا التطور السريع في السنوات الأخيرة، يستدعي أدوات وآليات مواجهة و«ترشيد" الاستخدام في أطر مسؤولة وآمنة. بقدر ما تقدمه الاستخدامات الرقمية من تسهيلات في مناحي حياة الإنسان، تطرح إشكاليات معقدة مرتبطة بالأمن الرقمي، تزداد تعقيدا، في غياب وعي مجتمعي والاستخدام اللامسؤول لهذه الأدوات ما يضاعف المخاطر والأضرار. هذه الجوانب المذكورة وأخرى، كانت محل مؤتمر علمي دولي "الأمن الرقمي في الجزائر بين وعي المجتمع وهشاشة المستخدم"، بجامعة الشهيد أحمد زبانة بغليزان، من تنظيم مخبر الدراسات الاجتماعية والنفسية والأنثروبولوجية لجامعة الشهيد أحمد زبانة بغليزان، وبالتنسيق مع مديرية الأمن الولائي. وتناولت محاور المؤتمر إشكاليات عديدة، وشارك فيها باحثون من الجزائر وخارجها، وتقول رئيس اللجنة التنظيمية الدكتورة بن عمار سعيدة خيرة، ل«الشعب"، أنه تنظيم هذا الحدث العلمي، في ظل تزايد استخدام الانترنت وتطبيقات الويب وغياب آليات الحماية الرقمية من جهة (أي كل ما هو تقني) وما يستلزمه من وعي وترشيد استخدامات الفرد، نتجت عن كل هذا، العديد من المخاطر والتهديدات الأمينة الرقمية على المستوى الفردي (الخصوصية)، المجتمعي (الجرائم الالكترونية) والمؤسساتي (النصب والاحتيال مثلا في التجارة الالكترونية)، وفق المتحدثة. وسجل المؤتمر مشاركات نوعية في تخصصات مختلفة وتنويعا في طرح المحاور بين الأبعاد التقنية، المجتمعية، النفسية، الدينية، الأخلاقية، السياسي وحتى الفلسفي. المواطنة الرقمية بالنظر إلى التداعيات الخطيرة التي تفرزها الاستخدامات الرقمية، وما تتطلبه من وعي مجتمعي، ترى الباحثة أنه من الواجب والضروري تفعيل دور جهات فاعلة في جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بدء بالأسرة، المحيط المجتمعي، المدرسة، الجامعة، وسائل الإعلام، الى وسائط الاتصال.. الخ، مثلما هو مطلوب أيضا من وسائل الإعلام "تسليط الضوء على هذا النوع من المواضيع في البرامج التلفزيونية أو حتى في المسلسلات المتحركة الموجهة للأطفال"، مثلما تقول الدكتورة بن عمار سعيدة خيرة. في الجانب التربوي والتعليمي، ينبغي الإسراع في إدراج مناهج تربوية مكيّفة مع ما يتطلبه المجتمع اليوم، خاصة فيما يرتبط باستخدام الوسائط الاتصالية الرقمية، وتنفيذ برامج تدريبية للطلاب والتلاميذ متعلقة بالاستخدام الآمن والأخلاقي للوسائط التكنولوجية والتطبيقات الرقمية. وفي رد عن سؤال حول مفاهيم جديدة ارتبطت بالظاهرة وتداعياتها، مثل المواطنة الرقمية، تشرح المتحدثة أن المواطنة الرقمية هي "المصطلح المفتاحي في مشروعنا البحثي، وتعني بها الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا الحاسوب، الانترنت وكل الوسائل الرقمية للتواصل مع باقي أفراد المجتمع، ويقوم هذا المصطلح على مجموعة من العوامل ليتحقق منها: الوصول الرقمي، التجارة الالكترونية، الأخلاقيات، الحقوق والواجبات الرقمية.. الخ". وفي نظر المتحدثة، يمكن إرساء تربية معلوماتية في مؤسسات تربوية والوصول إلى عدد كبير من أفراد الأجيال المستقبلية المهتمة باستخدام التكنولوجيا "لا يكفي إدراج دروس في المناهج التربوية، بل يجب وضع مواد متخصصة يقدمها تقنيون يساعدون على تعليم الجيل الناشئ على اكتساب المهارات الاتصالية الرقمية". تحديات أخلاقية.. في ورقة بحثية، حول الموضوع، ركزت الباحثة عائشة لصلج من جامعة سطيف2، على جانب التحديات الأخلاقية لاستخدام وسائل الاتصال، اذ تشكّل حسبها - وسائل الإعلام وتكنولوجيات الاتصال حلقة أساسية في رسم حدود العلاقة وفهمها بين الجماهير وبناء التصورات والمواقف المختلفة. وأضحت هذه الوسائل، حسب الورقة البحثية، مصدرا مهما للتحكم في بسط وشد حدود الضوابط الأخلاقية والقيمية والمرجعية المقومة للإنسان، وزاد من شدة هذا التحكم ميلاد وسائط جديدة مكّنت من إنشاء فضاءات جديدة لممارسةٍ اتصالية وإعلامية بأبعاد مختلفة، وبصفة أكثر ديموقراطية لم تكن من ذي قبل. وتعمل الميديا الجديدة على تأطير أشكال جديدة من الممارسات الاجتماعية، بسماحها للأفراد بالتعبير عن هوياتهم وعوالمهم الذاتية. وجاء في الوثيقة: "عززت المنصات التكنولوجية عملية الانفتاح الهوياتي وشكلت فضاءات خاصة تشكلت فيها حالات تواصلية يتفاعل فيها المستخدمون عبر أنواع مستحدثة من الكتابة والتدوين، وبفتحها للفضاءات التبادلية التشاركية أضحت الانترنت فضاء للمداولات والنقاشات العمومية شكّل ما يسمى بالمجال العام الافتراضي". حدود الخصوصية وفي ورقة بحثية أخرى قدمت في هذا المؤتمر، تناول الباحثان الدكتور جمال شريف من جامعة أكلي محند اولحاج (البويرة)، والدكتور رمضان بن منصور جامعة مولود معمري (تيزي وزو)، مسألة هامة تتعلق بأخطار انتهاك الخصوصية الرقمية للمستخدم وأثرها على الرابطة الأسرية دراسة في المسببات والحلول. ويشير الباحثان، في ملخص الدراسة إلى أن الوسائط الاتصالية الجديدة في الجزائر، وعلى غرار دول العالم، شكلت "بيئة تواصلية جديدة وفرصة للتواصل والتماسك الأسري، إذ مع تزايد أعداد المستخدمين لهذه الوسائط في السنوات الخمس الأخيرة في المجتمع الجزائري، البالغة أكثر من 22 مليون مستخدم بفيسبوك وحده حسب آخر الإحصائيات - عرفت البلاد كذلك تزايد مشكلات ارتبطت عموما بأخطار انتهاك البيانات الشخصية للمستخدمين وتقويض الأمن الرّقمي". وبالحديث عن المخاطر، يتطرق الباحثان إلى ما أوجده تزايد الاستخدامات قلق مشروع حول كيفية حماية بيانات المستخدمين من الاختراق والقرصنة والتهديدات الالكترونية المرتبطة بالجرائم الالكترونية عموما في بلدان العالم الثالث. ورغم ما لها من ايجابيات، إلا أن البيئة الرقمية في الجزائر عزّزت من مخاوف المستخدم من الأخطار المرتبطة بهذه الوسائط وآثارها على الفرد وعلى الأسرة عموما: "ساهمت هذه الوسائط الالكترونية في تهديد المجتمع من خلال تزايد حالات الطلاق في المجتمع الجزائري في العقد الأخير من الزمن، إلى جانب تنامي جرائم التشهير والقذف والابتزاز والتحرّش الالكتروني والخيانة الزوجية الرّقمية والتفكّك الأسري وغيرها من السلوكيات المهدّدة للرابطة الأسرية بكلّ تجلّياتها".