المناص نمط من أنماط المتعاليات النصية - بحسب ج.جينيت - يتشكل من روابط هي عموما أقل ظهورا وأكثر بعدا من المجموع الذي يشكله عمل أدبي، فلا يمكننا معرفة نص ما أو تسميته إلا بمناصه، فقلما يظهر النص عاريا عن عتبات لفظية أو بصرية تحدده مثل (اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال، كلمة الناشر)، وهذا من أجل تقديمه للجمهور، أو بأكثر دقة جعله حاضرا في الوجود قصد استقباله واستهلاكه.. هذا المناص لم يذكره جينيت في كتابه، لكننا شققناه من فهمنا، ومحضناه بفكرنا من المناص العام نفسه، فإذا كان المناص عامة (مناص المؤلف، ومناص الناشر) يقع في تلك المنطقة المترددة بين الداخل والخارج، فإن المناص التخييلي هو من يحرك هذه المنطقة المترددة، لأنه يسكنها وتسكنه، فهو يتواجد في ذلك البرزخ النصي/المناصي، أي في عالم التخييل السردي (في عالم كأنه هو؟)، كل يوم يسرد موضوعا جديدا في هذا العالم المتعولم. والمناص التخييلي، مناص يختلف عن المناص العادي كونه يتخذ من منطقة التخييل، وهي منطقة اللاحسم سكناه، لتخرج مسؤوليته عن المؤلف والناشر، لتقع هذه المرة على عاتق السارد، لأنه المحرك الفعلي لهذا المناص التخييلي/ السردي، وهذا ما سنحاول اختباره على مدونات سردية عربية وهي تغير موضوعاتها مجربة فضاءات كتابية مختلفة؟ المناص وخطاب العتبات عند ج.جينيت: المناص بحسب ج.جينيت نمط من أنماط المتعاليات النصية، يتشكل من روابط هي عموما أقل ظهورا وأكثر بعدا من المجموع الذي يشكله عمل أدبي، فلا يمكننا معرفة نص ما أو تسميته إلا بمناصه، فقلما يظهر النص عاريا عن عتبات لفظية أو بصرية تحدده مثل (اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال، كلمة الناشر…)، وهذا من أجل تقديمه للجمهور، أو بأكثر دقة جعله حاضرا في الوجود قصد استقباله واستهلاكه، فالمناص عند ج.جينيت هو " كل ما يجعل من النص كتابا يقترح نفسه على قرائه أو بصفة عامة على جمهوره، فهو أكثر من جدار ذو حدود متماسكة، نقصد به هنا تلك العتبة، أو بتعبير "بورخيس" ذلك البهو الذي يسمح لكل منا دخوله أو رجوع منه"، وهو ذلك البهو الذي نلج إليه محاورين فيه كل من المؤلف الواقعي/الحقيقي، أو التخييلي المفترض، كونه منجم من الأسئلة، لا يخلق عن طول حفر وقراءة. أنواع المناص عامة: لما علمنا أن المناص هو تلك الخطابات المصاحبة للنص/الكتاب من العنوان، صورة الغلاف، كلمة الناشر، الجلادة، وحتى قائمة المنشورات، أي بتعبير ج.جينيت "كل هذه المنطقة الفضائية والمادية من النص المحيط التي تكون تحت المسؤولية المباشرة والأساسية للناشر أو بأكثر دقة للنشر"، وهذا بعد استشارة الكاتب الذي تربطه بالناشر علاقة تعاقدية تجارية من جهة، وجمالية من جهة أخرى، فيما يخص إخراج الكتاب طباعيا وفنيا، محتكما في ذلك إلى أدبيات صنعة الكتاب (bibliologie) المحققة للقيمة المناصية بعد تحقيق الكتاب/صناعة الكتاب لقيمته السلعية، كمنتوج قابل للبيع والاستهلاك، والحفظ في المكتبات، ليقدم لنا ج.جينيت تقسيما عاما للمناص، محددا فيه أنواعه التي بقيت غامضة تلمح أكثر مما تصرح، وهذا ما لاحظه (فيليب لان) على ج.جينيت الذي اكتفى فيما قدمه من تقسيمات بالمكونات المناصية الخاصة بالمؤلف التي أولاها الاهتمام تاركا الأقسام الأخرى، التي جاءت متداخلة احتاجت منا قراءة متأنية ومتدبرة لما أضافه أيضا فيليب لأن لها، لتأتي أنواع المناص كالتالي: المناص النشري (مناص الناشر): ويتمثل في تلك الإنتاجات المناصية التي تعود مسؤوليتها للناشر المنخرط في صناعة الكتاب، وهي أقل تحديدا عند ج.جينيت، إذ تتمثل في (الغلاف، الجلادة، كلمة الناشر، الإشهار…)، حيث تقع مسؤولية هذا المناص على عاتق الناشر ومتعاونيه (كتاب دار النشر، مدراء السلاسل، الملحقين الصحفيين، …) وكل هذه المنطقة تعرف بالمناص النشري. المناص التأليفي (مناص المؤلف): ويتمثل هو الآخر في تلك المصاحبات الخطابية التي تعود مسؤوليتها بالأساس للكاتب/المؤلف، إذ ينخرط فيها كل من (اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال….).
المناص التخييلي: هذا المناص لم يذكره ج.جينيت في كتابه، لكننا شققناه من فهمنا، ومحضناه بفكرنا من المناص العام نفسه، فإذا كان المناص عامة (مناص المؤلف، ومناص الناشر) يقع في تلك المنطقة المترددة بين الداخل والخارج، فإن المناص التخييلي هو يحرك هذه المنطقة المترددة؛ لأنه يسكنها وتسكنه، فهو يتواجد في ذلك البرزخ النصي/المناصي، أي في عالم التخييل السردي (في عالم كأنه هو؟). والمناص التخييلي كما قلنا هو مناص للمؤلف أو للناشر، غير أنه مناص يختلف عن المناص العادي كونه يتخذ من منطقة التخييل، منطقة لا حسم سكناه، لتخرج مسؤوليته عن المؤلف والناشر، لتقع هذه المرة على السارد، لأنه المحرك الفعلي لهذا المناص التخييلي/ السردي. والمناص التخييلي، يأخذ أنواع وأقسام ومبادئ ووظائف المناص العادي التي مرت بنا سابقا، فهو إما يكون مناصا لمؤلف ضمني، وإما مناصا لناشر ضمني، بقسميهما النص المحيط التخييلي وعناصره، والنص الفوقي التخييلي وعناصره هو الآخر، فالملاحظ أن سمة التخييلي هي التي فرقت بين المناصين المناص الواقعي والمناص التخييلي. غير أن هذا المناص يكتنفه الالتباس لجدته، وتجريبيته في الكتابة السردية من جهة، وصعوبة مسالكه التحليلية، وتعقيد اشتغالاته من جهة أخرى، وهذا كله يرجع لعدم وعي الكتّاب به، لأننا قلما نجد كاتبا يوظف هذا المناص التخييلي في رواياته. والملاحظ أن المناص عامة ينقسم على نفسه إلى قسمين رئيسيين هما النص المحيط والنص الفوقي، ولكن بهذه الأنواع السابقات سيتخصص، ليصبع عندنا أقسام ثوان للمناص النشري، والمناص التأليفي (وكذلك المناص التخييلي أحد أنواع المناص الجديدة)، والتي لا تخرج عن أقسام المناص عامة، وهذا ما اقتضته الضرورة العملية والمنهجية: أقسام المناص عامة: وهذا ما لاحظناه سابقا إذ نجد كل من المناص النشري والمناص التأليفي ينقسمان على نفسيهما إلى أقسام ثوان واصفة وشارحة لهما، تتشكل بداخلها عناصر مناصية مهمة تساعدنا في فهم النص وتأويليه، والقول نفسه ينسحب على المناص التخييلي: النص المحيط peritexte: وهو من أقسام المناص عامة، أي ما يدور بفلك النص من مصاحبات من اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال، فهو كل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب بما فيها الصورة المصاحبة للغلاف، وكلمة الناشر الواقعة في الصفحة الرابعة للغلاف، ليأخذ إحدى عشر فصلا من كتابه "عتبات" لجينيت، كما تندرج تحته نصوص ثوان هي:
- النص المحيط النشري: peritexte Editorial والذي يضم تحته كل من (الغلاف، الجلادة، كلمة الناشر، السلسلة…)، وقد عرفت تطورا مع تقدم الطباعة الرقمية. - النص المحيط التأليفي: peritexte auctorial والذي يضم تحته كل من (اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، العناوين الداخلية، الاستهلال، التصدير، التمهيد..). ما يمكن ملاحظته في هذا الجدول، وبالخصوص ما جاء في النص المحيط النشري، هو أنه سبق وأن قلنا إن ج.جينيت لم يول اهتماما كبيرا بالمناص النشري، على الرغم من ذكره لوظيفته التداولية، إلا أنه لم يهمله كلية، فنجده مثلا في دراسته للغلاف عنصر مناصي، يأتي على تاريخه ونشأته وتطوره، وتحديد تقسيماته، دون أن يقدم لنا تحديدا للصورة المرفقة للغلاف وكيفيات تحليلها، إلا ما أسعفنا به من إطار إجرائي عام لفهم اشتغالات الغلاف والمناص عامة، وقد تطور الدرس المناصي في تحليل العتبات التي لم يشتغل عليها ج.جينيت على يد خليفته (فليب لان) في كتابه الذي احتفى فيه كثيرا بالمناص النشري. النص الفوقي: Epitexte هو كل تلك الخطابات التي نجدها خارج الكتاب، ولكنها تتعلق به لشرحه وتفسيره وتأويله، كالاستجوابات، المراسلات الخاصة، والتعليقات، والمؤتمرات، والندوات، واللقاءات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية. وهذه العناصر المناصية للنص الفوقي تنحصر في الفصول المتبقية من كتاب (عتبات)، وينقسم النص الفوقي بدوره إلى: - النص الفوقي النشري: Epitexte Editorial ويندرج تحته كل من (الإشهار، وقائمة المنشورات، والملحق الصحفي لدار النشر…). - النص الفوقي التأليفي: Epitexte auctorial وينقسم هو الآخر بحسب "جينيت" إلى: النص الفوقي العام (Epitexte public): ويتمثل في اللقاءات الصحفية، والإذاعية والتلفزيونية التي تقام مع الكاتب، وكذلك المناقشات والندوات التي تعقد حول أعماله، إلى جانب التعليقات الذاتية التي تكون من طرف الكاتب نفسه حول كتبه. النص الفوقي الخاص: Epitxte privé ويندرج تحته كل من المراسلات، بين الكاتب والمقربين منه من الكتاب أو القراء إلى جانب المذكرات الحميمية الخاصة بالكاتب، والنص القبلي (avant-texte) أي كل أعماله المخطوطة التي لم ينشرها بعد وهو بصدد تحكيكها وتنقيحها، قبل الخروج للعلن مطبوعة. تمظهرات المناص التخييلي في الرواية العربية: وسنتعرض في هذه النقطة لتمظهرات المناص التخييلي في الرواية العربية، من خلال نماذج مختارة، لأن العمل البحثي ما يزال قائما للحفر في هذا المبحث النقدي المتجدد: المناص التخييلي والمناص المضاعف: يدخل المناص التخييلي في الإمكانات التجريبية للكتابة السردية، إذ ينسج هذا المناص عالما تخييليا يفارق العالم الواقعي للمناص الأصلي، لهذا وسمنهاه بالمناص المضاعف لمناصه الأصلي، لإغنائه بقراءة سردية من داخل النص لا من مصاحباته فقط. يمكن أن نقرأ ذلك من خلال رواية (السيدة من تل أبيب) للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، والتي تحاول تجريبا كتابيا جديدا، بكتابتها بقلم الشخصية الرئيسية (وليد دهمان) رواية داخل الرواية الأصل، وهذه الأخيرة التي تملك مناصها الأصلي الظاهر على صفحة الغلاف، من: (اسم المؤلف، وعنوان الرواية، وصورة الرواية، والمؤشر الجنسي، ودار النشر….)، وغير ذلك من النصوص الموازية.. غير أننا عندما نصل إلى منتصف الرواية، وبتحديد إلى (الصفحة 117) يتبادل الكاتب الواقعي دوره السردي مع الكاتب الضمني وليد دهمان (الشخصية الرئيسية في الرواية)، ليسرد روايته لها روايتها التي تختلف وتأتلف مع الرواية الأصل، هذه الرواية التي ستحمل لنا مناصا مغايرا لمناصها الأصلي بكل مصاحباته المذكورة سابقا، وهنا سنقف عند أحد أقسام المناص التخييلي، الوارد في هذه الرواية المتخيلية: المحيط التخييلي (التأليفي): وهذا القسم من المناص التخييلي يجمع إليه كلا من: اسم المؤلف، عنوان الرواية، المؤشر الجنسي، دار النشر، الإهداء.. اسم المؤلف التخييلي: وهنا ندخل في صنعة المناص المضاعف، إذ يوهمنا النص أن هناك رواية أخرى لكاتب/ سارد آخر، وهو (وليد دهمان)، أحد الأقنعة السردية للكاتب الواقعي، الذي سرد حكايته منذ بداية الرواية، فنحن أمام كاتب متخيل يضاعف الحكي ويغنيه، ويحدد مسؤوليته الأدبية، وحقوقه الفكرية على عمله. العنوان الروائي التخييلي: نجد أن الرواية المتخيلية، فارقت عنوان الرواية الأصل التي كانت (السيدة من تل أبيب)، ليطلق عليها الكاتب التخييلي (وليد دهمان) عنوان تخييليا (ظلال لبيت واحد)، محددا بذلك الهوية السردية للنص الجديد، ويمكن تقام عن هذا العنوان دراسة وصفية كاملة تكشف عن جماليته النصية، وشعريته السردية. المؤشر الجنسي التخييلي: كما نعرف فإن المؤشر الجنسي من بين العناصر المناصية الدالة على جنس العمل الأدبي، وهو يلعب نفس الدور والوظيفة في المناص التخييلي بإيهامنا باستمرارية هذا المؤشر داخل هذه الرواية التخييلية، وبهذا سيضاعف الوظيفة التكوينية للنص، ويحدد كيفيات تداوله القرائي. الإهداء الروائي التخييلي: نجد من بين العتبات التخييلية المصاحبة للمناص التخييلي، عتبة الإهداء، غير أننا وجدنا الرواية الأصل عارية من الإهداء، غير أن الرواية التخييلية تطالعنا بإهداء تخييليا، يفارق خطابه الرسمي، كونه يضمن الشكر والعرفان لكل من ساعد المؤلف، أو ساهم معه ماديا ومعنويا في رحلة الكتابة سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو مؤسسات. غير أن الإهداء التخييلي جاء مخلخلا للمعادلة خطاب الإهداء أيضا (من، إلى)، التي عرفناها عند المشتغلين على نظرية المناص وعلى رأسهم (ج.جينيت) الذي أورد مثل هذا الاحتمال، إلا أنه جعله من بين الإهداءات النادرة، التي تهدي فيها شخصية سردية إلى مؤلفها الواقعي شاكرة إياها ومعترفة بفضله، وهذا يعد من الظواهر السردية التجريبية الجديدة، يهدي وليد دهمان روايته المتخيلية (ظلال لبيت واحد) للمؤلف الواقعي ربعي المدهون: ولا ينسى المؤلف الضمني (وليد دهمان) توسيع خطاب إهدائه إلى مجتمع الرواية المتمثل في (أهله بغزة)، وهذا أيضا من ممكنات التجريب السردي. كما يمكننا أن نشير أن الكاتب استخدم في مناصه التخييلي، القسم الثاني من النص المحيط، وهو النص المحيط النشرين لما أوهمنا أن الرواية التخييلية صادرة عن نفسه دار النشر الخاصة بالرواية الأصل، وهي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ببيروت). الحلقة الأولى