شهد الأسبوع الماضي، بموقع محرقة الفراشيح ببلدية نكمارية، تنظيم الملتقى الوطني السابع حول جرائم الاستعمار الفرنسي في منطقة الظهرة، تحت عنوان "محرقة الفراشيح وثورة الشيخ بومعزة في الذاكرة الوطنية". وأوصى المشاركون بالملتقى، المنعقدة أشغاله بمناسبة الذكرى 178 لهذه المحرقة، بتأسيس جائزة سنوية باسم "ذاكرة الفراشيح" لأحسن الأعمال الأدبية والفنية المخلدة للذكرى، كما دعوا إلى تنقيب أثري بداخل المغارة يقوم به فريق بحث متخصص. في إطار منتدى "الإعلام والذاكرة"، نظّم مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية بجامعة مستغانم، بالتنسيق مع بلدية نكمارية، الملتقى الوطني السابع حول جرائم الاستعمار الفرنسي تحت عنوان "محرقة الفراشيح وثورة الشيخ بومعزة في الذاكرة الوطنية"، وذلك الأسبوع الماضي بالموقع التاريخي لمغارة الفراشيح. وانعقدت فعاليات هذه التظاهرة العلمية التاريخية إحياء للذكرى 178 لمحرقة الفراشيح، التي اقترفها الجيش الاستعماري في حق قبيلة أولاد رياح وقبائل أخرى من الظهرة كانت مختبئة بالمغارة، قبل أن يداهمها الجيش الاستعماري بقيادة الجنرال بليسي ويحاصرها، ولما رفضت القبائل الاستسلام، قام المستعمر بغلق كل منافذ المغارة، وأضرم النار في فوهاتها، وهو ما أدى إلى استشهاد أكثر من ألف شهيد حرقا أو خنقا. وبعد مراسيم إحياء الذكرى، شُرع في فعاليات الملتقى، الذي خلص المشاركون فيه إلى مجموعة توصيات، نذكر منها: التفكير في ترقية الملتقى الوطني إلى ملتقى دولي العام المقبل، وتأسيس جائزة سنوية باسم ذاكرة الفراشيح لأحسن الأعمال الأدبية والفنية المخلدة للذكرى، والدعوة إلى إنشاء جمعية أو مؤسسة باسم "ذاكرة الفراشيح"، الدعوة إلى الشروع في عمليات تنقيب أثري بداخل المغارة من قبل فريق بحث خاص، من أجل التدقيق العلمي في الأبحاث التاريخية والأثرية المتعلقة بالمغارة. كما دعا المشاركون إلى مباشرة الإجراءات العملية من أجل ترسيم المغارة كتراث عالمي إنساني يسجل ضمن لوائح اليونسكو، وكذا تغيير المسلك المعبد المؤدي للمغارة لما أصبح يشكله من خطر يهدد بانهيارها بسبب وجوده مباشرة وفق الفوهة الرئيسية لها، وتغييرها بالمسلك الآخر غير المعبد. وأوصى المشاركون أيضا بتنظيم يوم برلماني حول المحرقة، وأكّدوا على ضرورة أن يضطلع الإعلام بوظيفة التوعية بمسائل الذاكرة، وتحفيز الإعلام على إنتاج مادة توثيقية لكل هذه الأحداث عبر الوطن، وتكوين صحافيين يختصون بالمادة التاريخية. كما دعوا إلى الاهتمام أكثر بالمنطقة من خلال تجسيد مشروع متكامل يضم متحفا ومرافق أخرى بهذا المكان التاريخي، مع ضرورة الاهتمام بالبحوث والدراسات التي تتناول مثل هذه المواضيع، وضرورة حفظ الأرشيف التاريخي لمثل هذه الأحداث بالتوثيق والبحث. قبل ذلك، تمّ تقديم مداخلات شكّلت البرنامج العلمي الذي قسم إلى خمس جلسات علمية، حملت كل جلسة منها محور إشكالية بحثية. وعالجت الجلسة الأولى محور "سياسات الإبادة الجماعية للجيش الاستعماري الفرنسي ضد الشعب الجزائري"، ومن بين المداخلات المشاركة ضمن هذه الجلسة، نذكر مداخلة د - الحاج الصادوق من جامعة الجزائر 2، التي حملت عنوان "حرب الإبادة الجماعية الفرنسية ضد الشعب الجزائري"، ومداخلة د - محمد بن موسى (المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة) بعنوان "مجازر العقيد دوسانت آرنو بمنطقة الظهرة: مذبحة الفراشيح وإبادة سكان تنس أنموذجا"، ومداخلة أ.د.محمد بن جبور (جامعة وهران) بعنوان "جرائم الاستعمار الفرنسي: مفارقات في ذاكرة أمة تأبى النسيان". أما الجلسة الثانية فعالجت محور "ثورة الشيخ بومعزة بالظهرة وسياقها التاريخي"، ومن المشاركين بها نذكر د - عباس كحول (جامعة بسكرة) بمداخلة "مقاومة الشيخ بومعزة والزاوية المختارية بالزاب الغربي 1847م"، ود.حورية طعبة (جامعة أدرار) بمداخلة تحت عنوان "مقاومة محمد بن عبد الله المدعو "بومعزة" ضد جرائم الضباط الفرنسيين في حوض الشلف وجبال الونشريس 1844-1847م"، أما د.فتيحة بن حميمد (جامعة مستغانم) فتطرقت مداخلتها إلى "دور قبائل الظهرة في مقاومة الشريف بومعزة". فيما عالج د - حمو فرعون (جامعة مستغانم) "المكون الصوفي وعلاقته بالثورات الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي: نموذج ثورة الشيخ الشريف بومعزة بمنطقة الظهرة". وعلى نفس المنوال، عالجت الجلسات الثلاث الأخرى، على التوالي، محاور "ذاكرة محرقة الفراشيح في الكتابات التاريخية التاريخ"، و«الإعلام وذاكرة محرقة الفراشيح"، و«محرقة الفراشيح كجريمة إنسانية في القانون الدولي"، ومن بين مداخلات هذا المحور الأخير، نذكر مداخلة د - عديدة الشارف من جامعة مستغانم، بعنوان "من الذاكرة الجماعية (محرقة الفراشيح 18 إلى 20 جوان 1845 بمستغانم) الجريمة والقانون الدولي"، والتي ذكّر فيها الباحث بأن جرائم الإبادة الجماعية تعتبر من أخطر الجرائم التي ترتكب وتنتهك فيها حقوق الإنسان، وتتم في إطار هجوم واسع النطاق وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين العزل. وأضاف الباحث أن الجزائريين عاشوا تحت وطأة الاحتلال الفرنسي وضعاً قمعياً معنوياً ومادياً بالغ الشدة. كما أن مسلسل الإبادة الجماعية يمثّل فصلاً قاتماً في تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، وتعتبر محرقة الفراشيح (الظهرة) 18 إلى 20 جوان 1845 إحدى أهم حلقاته، والتي تصنف كجريمة في حق الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي، وكان الإشكال الذي طرحه الباحث متعلقا بإمكانية أن ترفع السلطات الجزائرية الدعوى القضائية حول هذه الجريمة، ومدى إمكانية إحداث التطابق بين الواقع التاريخي لهذه المحرقة ومفهوم الجرائم الدولية، وكيفية تكييف القانون الدولي قصد إثبات مسؤولية المستعمر وإرغامه على الاعتراف والتجاوب والتعويض بدل سياسة الهروب والتنص.