غياب ثقافة استهلاك صحيحة يزيد من الخطر كعادة كل عام، لا يأتي فصل الصيف بشمسه الحارة على الجزائر فحسب، بل تحمل أيامه حالات تسمم غذائي تهدّد الصحة العامة في البلاد، وللأسباب نفسها التي يدونها الأطباء سنوياً، على رغم التحذيرات المتواصلة لجمعيات حماية المستهلك. آلاف الحالات تسجلها المستشفيات صيفا تستقبل مستشفيات الجزائر سنوياً آلاف الحالات المصابة بتسممات غذائية، إذ نشرت وزارة التجارة على موقعها الإلكتروني إحصاءات ل 311 حالة تسمم غذائي جماعي العام الماضي، طاولت 3827 شخصاً في 41 محافظة بالبلاد، أصيب 865 منهم بعد تناولهم منتجات معروضة للبيع، و662 آخرين بمناسبات عائلية، علاوة على أسباب أخرى متنوعة. البيانات الرسمية أرجعت السبب الرئيس لحدوث حالات التسممات الغذائية إلى عدم احترام إلزامية النظافة، خصوصاً الصحية، وتجاهل شروط حفظ الأغذية وسلسلة التبريد، سواء من التجار أو المستهلك بعد اقتنائه المنتج. تحريات وزارة التجارة حددت خريطة مصادر الأغذية الأكثر تسبباً في حدوث التسممات الغذائية الجماعية، وهي المطاعم المدرسية والجامعية والشركات وقاعات الحفلات، فضلاً عن تناول الوجبات السريعة والمرطبات والحلويات التقليدية والحليب ومشتقاته والأسماك. لذلك تحاول السلطات الصحية تنفيذ حملات ميدانية على مستوى المطاعم ومحال الوجبات السريعة وبيع المثلجات والمرطبات والمقاهي، علاوة على مراكز التسلية والمناطق السياحية، حرصاً على إلزامية النظافة الصحية وسلسلة التبريد، خصوصاً فيما يتعلق بالمواد الغذائية سريعة التلف كاللحوم الحمراء والبيضاء ومشتقاتها والحليب ومشتقاته والأسماك والبيض. وتشير أرقام مخبر التحاليل الغذائية بمعهد باستور الجزائر إلى ارتفاع حالات التسمم الغذائي في فصل الصيف 60 في المئة، خلال موسم الأفراح والأعراس التي يتزايد فيها الإطعام الجماعي، وكذلك المطاعم التي تقدم وجبات الأكل السريع والمطاعم المدرسية. في هذا الصدد يرجع الوقوع في فخّ التسمم الغذائي بالأساس إلى الثقافة الاستهلاكية للجزائريين ودرجة الوعي بالمخاطر الناجمة عن السلوكيات غير الصحيحة كونه لا يزال يقتني مواد غذائية سريعة التلف تعرض على الطرقات والأرصفة، ولا تحترم شروط الحفظ، مما يعرض صحته وحياته للخطر. قواعد خاطئة في هذا السياق، أطلقت وزارة الصحة حملة تحسيسية في إطار برنامج وطني لمكافحة التسممات الغذائية، أوصت فيها المواطنين باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب التسمم الغذائي. ونبّهت الوزارة، إلى أعراض التسمم الغذائي المتمثلة في الشعور بالغثيان وآلام في البطن وقد يظهر أحياناً إسهال وارتفاع في درجة الحرارة، خلال فترة تتراوح بين عدة ساعات إلى مدة أسبوع أو أكثر. وأوصت باتباع جملة من الإرشادات الصحية بينها "احترام القواعد الأساسية للنظافة من خلال ضمان نظافة اليدين والأواني وغسل الخضر والفواكه قبل استخدامها والتحقق من تاريخ انتهاء الصلاحية، وأن تبلغ درجة حرارة الثلاجة أربع درجات مئوية". وطالبت بضرورة "غسل ألواح التقطيع وجميع أواني الطهي المستخدمة للحوم النيئة مع عدم ترك اللحوم المجمدة في درجة حرارة الغرفة واحترام سلسلة التبريد وكذلك عدم طهي اللحوم نصف طهي ثم طهيها مرة أخرى في وقت لاحق". ودعت إلى "فصل الأطعمة المطبوخة عن النيئة في الثلاجة لتجنب انتقال التلوث، وعدم ترك الطعام المطبوخ لأكثر من ساعتين في درجة حرارة الغرفة، وعدم تخزين الطعام لفترة طويلة حتى في الثلاجة". يرتبط فصل الصيف بظاهرة التسممات الغذائية، بخاصة في التجمعات العائلية وأماكن الإطعام الجماعية في الأعراس والولائم الخاصة بتكريم الناجحين خلال الامتحانات المختلفة، فأن ارتفاع درجات الحرارة يساهم في تكاثر الجراثيم والبكتيريا والفيروسات المختلفة وأيضاً الحشرات والبعوض بأنواعه بدوره ناقل لهذه الفيروسات. وعند الحديث عن التسممات الغذائية نتكلم أولاً عن نوعية المواد المنتجة ومدى مطابقتها المعايير الصحية من حيث استعمال المواد الكيماوية الخطرة في المنتجات الزراعية والصناعية كالأجبان والمواد المصبرة (المحفوظة) وغيرها. ونبّه المختصون إلى أن المرحلة الثانية تتعلق بوسائل النقل والتخزين ومدى احترام سلسلة التبريد لأن أي خلل في هذه السلسلة سيؤدي إلى تلف المواد الاستهلاكية وتعريض المواطن إلى خطر التسمم الغذائي. وتخصّ المرحلة الثالثة مناطق البيع والتسويق وطريقة عرض المنتجات للمستهلكين وشروط بيعها، إذ غالباً ما يتم عرض مواد سريعة التلف في أماكن مكشوفة عرضة لأشعة الشمس مما يؤدي إلى إصابة المستهلكين بمضاعفات صحية خطرة. وترتبط التسممات الغذائية أيضا بالثقافة الاستهلاكية التي يتوجب على المواطن أن يتحلى بها ودرجة وعيه بالمخاطر المحدقة بصحته وعائلته حول المواد التي يقتنيها، وكذا غياب الاحترافية لدى أصحاب المطاعم في تحضير الوجبات وعدم احترام العمال شروط النظافة في أماكن العمل، وهو الأمر نفسه في الأعراس والولائم حينما يتم استعمال مياه ووسائل غير نظيفة في تحضير وتقديم الوجبات.