تعمل الجزائر وفق مبادراتها ومساعيها لإحلال السلم والأمن بإفريقيا على تحقيق توجهها الاستراتيجي المتمثل في مقاربة التنمية لتحقيق الأمن الذي شرعت فيه عمليا على مستوى دول الطوق في ماليوالنيجر بمناطق أغاديز وكيدال وغيرهما من المناطق الحدودية، وتسعى الجزائر إلى توسيع المساعي وترقية وتطوير الجهود لتشمل الدول المانحة والبرامج الأممية من خلال عقد مؤتمر مانحين لتنمية الساحل وتجفيف منابع البؤس والفقر وانعدام التنمية وتفشي العنف والتطرف، حيث أكدت مبادرة رئيس الجمهورية لتسوية الأزمة في النيجر جوهرية هاته المقاربة وأهميتها للقضاء على كل مظاهر التخلف الاجتماعي في شقه التنمية المستدامة والسياسي في البعد الأمني والدستوري. يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قالمة، وديع مخلوف، إن دول العالم الثالث وإفريقيا خصوصا تشهد عديد التحديات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمتعلقة بعديد الظواهر من "التخلف" مرورا بالهجرة غير الشرعية وصولا إلى عدم الاستقرار وتفشي الجماعات المتمردة والإرهابية حيث تظهر - في هذا الصدد - جدلية العلاقة بين الأمن والتنمية، وتبرز عديد المقاربات بين من يسعى إلى تحقيق الأمن أولا حفاظا على المصالح، وبين مقاربة من يسعى لتحقيق التنمية كمقدمة للحفاظ على الأمن، حيث تبرز المقاربة الجزائرية التي تعتمد على البعد التنموي في تحقيق ركائز الأمن، كونه حجر الأساس لأي مسار لتطوير القارة السوداء. في هذا الصدد - يضيف مخلوف - برزت عديد الدعوات والمبادرات الجزائرية التي كان آخرها ما صرح بيه وزير الخارجية أحمد عطاف في ندوته الصحفية أمس الأول، لإطلاع الرأي العام الدولي والوطني على مبادرة الرئيس تبون في اعتماد الحل السلمي للأزمة في النيجر حيث جاء في المبادرة الجزائرية تنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل التي تدخل ضمن حشد التموين لتنفيذ برامج تنموية في منطقة الساحل. وحسب المتحدث ذاته، تعتمد السياسة الخارجية الجزائرية على البعد التنموي في تعاملها مع العالم الثالث وإفريقيا منذ الاستقلال، وتبرز مبادرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في القمة 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والمتعلقة بتخصيص مليار ونصف مليار دولار لتنمية إفريقيا، وتشكل هذه المبادرة منطلقا وأرضية لاعتماد عمل مشترك في إفريقيا بدل قرع طبول الحرب، وزيادة على مسعى الدول للاستفادة من المبادرة الجزائرية ما يعطي وزنا أكبر للمساعي الجزائرية في الاعتماد على الحل السياسي بدل التدخل العسكري في الأزمة في النيجر، وفي سياق الاعتماد على البعد التنموي في إفريقيا، تم إنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي في 12 فيفري 2020 والتي مقرها الجزائر العاصمة، والمتوقع أن يكون لها دور محوري، إضافة إلى وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية الجزائرية في تنظيم وتتبع نتائج المؤتمر الدولي حول التنمية في الساحل التي دعت الجزائر لعقده في سياق مبادرتها لحل الأزمة في النيجر سلميا. بالمقابل، فإنه إلى جانب المقاربة الجزائرية التي تعتمد على التنمية لتحقيق الأمن - حسب الدكتور وديع مخلوف - تبرز مقاربات نظرية وتقارير دولية تصب في المسعى الجزائري، حيث تمثل أبرز المقاربات في هذا الصدد مقاربة للاقتصادي الهندي "امارتيا سن" الأستاذ في جامعة هارفارد الذي يركز على تنمية الإنسان قصد تحقيق أمن الإنسان حيث يرى أن العلاقة بينهما تتمثل في كونهما جاءا كلاهما من أجل الإنسان وكلاهما متعدد الجوانب والقطاعات الخاصة بالإنسان، وكلاهما يمتد من اليأس البشري إلى التطلعات البشرية، فكم هو حجم اليأس البشري الإفريقي عندما يقارن واقعه بحال الرفاه الذي يراه في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في أوروبا والذي يؤدي به لمحاولة الهجرة أو الثورة على الواقع المعيش أو دعم أي انقلاب عسكري يتعهد بتغير الواقع المعيش ما يمس في نهاية المطاف أمنه وأمن بلده. من جانب آخر، يشير مخلوف إلى أن مبادرة الجزائر لعقد مؤتمر للتنمية في الساحل تأتي لنزع فتيل الأزمة، فعوضا عن دفع أموال للحرب التي يسهل دخولها ويصعب توقع مدتها ومتى تنتهي، زيادة على نتائجها الكارثية، تعمل الجزائر ضمن مساعيها الدبلوماسية على عقد مؤتمر تنمية لدول الساحل وحشد الدعم قصد تموين برامج تنموية لمواجهة التحديات الإفريقية والمساهمة في تحقيق الأمن الإفريقي، بدل سفك الدماء حيث لدى الجزائر وكثير من دول إفريقيا عديد التحفظات المشتركة حيال التعامل العسكري في منطقة الساحل لما لها من عواقب وخيمة على القارة الإفريقية ككل، فالمعادلة هي حشد الأموال لاستثمارها قصد التنمية لتحقيق الأمن في مقابل تموين حرب نتائجها دماء، عدم استقرار ودفن لكل التطلعات الإفريقية.