سجلت الدبلوماسية البرلمانية الجزائرية، خلال أشغال الدورتين الماضيتين، نقلة نوعية في التعامل مع الملفات الوطنية، وانتقالها من المفهوم الوظيفي التشريعي إلى الأداء الخارجي التأثيري في الأوساط البرلمانية ودوائر صنع القرار، خدمةً لمصالح الوطن القومية، ومراعاةً لمقتضيات المرحلة الراهنة التي تتطلب عملا دبلوماسيا مضاعفا على جميع الأصعدة. اتفق خبراء سياسيون واقتصاديون على تطور النسق الدبلوماسي الخارجي للبرلمان الجزائري بغرفتيه العليا والسفلى، يترجمه بوضوح ذلك النشاط الدؤوب مع مختلف برلمانات العالم، والإستقبال المميز الذي حظي به كل من رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، ورئيس المجلس الشعبي الوطني ابراهيم بوغالي، من طرف رؤساء دول وحكومات ومجالس تشريعية ومنظمات إقليمية ودولية في إطار المرافعة عن قضايا ومصالح الجزائر العليا. في هذا الشأن، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأغواط، البروفيسور علي بقشيش، إنّ الجزائر تبنّت، إثر دخولها عهدا جديدا بعد سنة 2019م، نظرة جديدة للعمل البرلماني، تهدف إلى جعله رافدا مهما للسياسة الخارجية وتوضيح رؤيتها وتشجيع التعاون مع الدول بمختلف المجالات. وأكد البروفيسور علي بقشيش، في تحليل خصّ به «الشعب»، أن البرلمان الجزائري شهد في السنوات الأخيرة تحركات واسعة على الصعيد الخارجي، تمثلت في استقبال العديد من الوفود البرلمانية لدول شقيقة وصديقة، الغرض منها دعم عمل وزارة الخارجية وتشجيع التقارب مع الشعوب الأخرى. من جهة أخرى، أبرزت وجهة نظر الجزائر تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية؛ ذلك أنها تعرضت في المرحلة الفارطة لهجمات شرسة من بعض الأطراف الخارجية المغرضة، التي كان هدفها زعزعة الوضع الداخلي وخلق حالة من عدم الاستقرار لأهداف خفية، حيث ساهمت الدبلوماسية البرلمانية في هذا الموضوع بشكل جيد، كونها هيئة منتخبة منبثقة عن إرادة الشعب، مثلما أضاف المتحدث ذاته. كما لعبت الدبلوماسية البرلمانية، بحسب الأستاذ علي، دورا أساسيا في إنجاح بعض النشاطات الدولية التي أقيمت في الجزائر، مثل القمة العربية وزيارات رئيس الجمهورية للعديد من الدول، من خلال تشجيع العمل الثنائي التعاوني، والمشاركة في اللقاءات الدولية ضمن منظمات البرلمانات العربية والإسلامية والإفريقية. على صعيد الإعلام البرلماني، اعتبر البروفيسور بقشيش فتح قناة تلفزيونية خاصة بأشغال الهيئة ذاتها، خطوة مهمة في اتجاه تطوير قنوات الإتصال والتواصل، من شأنها توضيح عمل ودور البرلمان الجزائري. من جانبه، أفاد رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، ياسين عبيدات، بأن الدبلوماسية البرلمانية تمثل أحد الروافد الأساسية للعمل الدبلوماسي الخاص بالدولة، وجسرا للتواصل بين الشعوب، ومنبرا لعرض قضايا حساسة متجاوزة للحكومات، كما أضحت قناة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها في مجال تطوير العلاقات الإقليمية والدولية. وأوضح ياسين عبيدات، في تصريح ل»الشعب»، أن الدبلوماسية البرلمانية الجزائرية، عرفت في الآونة الأخيرة، ازدهارا على المستوى الوطني الداخلي بين المجالس ولجان الصداقة والمشاريع التي تتصدر جداول وبرامج أعمالها، وفي المحافل الدولية عبر العديد من المجالات السياسية والإقتصادية والتنموية، وبذلك أصبحت تتبوأ مكانة مرموقة. وبحسب عبيدات، فإن معالم تلك المكانة تجلت في عضوية الإتحادات البرلمانية العربية والإقليمية والدولية، تأسيس لجان الصداقة الثنائية مع كبرى البرلمانات، تبادل الزيارات والوفود البرلمانية بشكل مكثف، بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الدول، عقد اتفاقيات التعاون والمشاركة في الزيارات الرسمية الرئاسية ونشاطات المسؤولين الحكوميين. كما أضحت تتفاعل وتشارك في تنظيم المؤتمرات والندوات البرلمانية المتخصصة بغية دعم السياسة الخارجية للدولة الجزائرية والترويج لمواقفها، لاسيما في جانب الدفاع عن القضايا العادلة كالقضيتين الفلسطينية والصحراوية، ومساندة سياسات تحقيق التنمية ومكافحة الفقر في إفريقيا، وكذا دعم مسائل الأمن الإقليمي والدولي ومكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا الجيوسياسية، بحسب قوله. في المقابل، نبّه رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، ياسين عبيدات، إلى ضرورة تكثيف العمل في الجانب الاقتصادي ضمن نشاط الدبلوماسية البرلمانية، تعميق التعاون والشراكة الإقتصادية بين البلدان واقتراح استراتيجيات وحلول للمشكلات المعترضة بما يضمن تبادل المنافع، التركيز على قضايا التنمية المستدامة والأمن الغذائي ومكافحة الفقر، الدعوة إلى تعزيز التبادل التجاري والترويج للمنتوج الوطني وتصديره إلى الخارج، فضلا عن المساهمة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية الكبرى للجزائر.