لِنسوة مدينة غرداية في جنوبالجزائر إحساس إبداعي وفني يُمكنهن من تحويل الصوف إلى لوحة فنية تصويرية بألوان زاهية تتميز برسومات ورموز تعبيرية مستوحاة من عمق مجتمعهن وإرثه الثقافي والتاريخي ما تُسمى ب«الزربية". تعد زربية غرداية التي أصبح لها عيد وطني يُحتفل به كل سنة شاهدة على الفن اليدوي الأصيل المتوارث عبر الأجيال والتي باتت تنافس أجود أنواع السجادات في العالم بعد أن حجزت مكانتها في المهرجانات المحلية والدولية وأضحت محط إعجاب السائح الأجنبي الذي لا يبحث عن اقتنائها فقط وإنما عن تاريخها أيضاً. حيث تحظى صناعة الزرابي بمكانة خاصة في المنطقة مما تملك كل عائلة غرداوية منسجا تقليديا إذ يعتبر أحد الأدوات المنزلية الضرورية، وتُصنع هذه التحفة التقليدية عن طريق حياكتها بالأيدي وبأحجام مختلفة توضع فيها الرموز والرسوم بكل دقة وذوق فني عال فتعكس ذلك الخيال الذاتي للمرأة الغرداوية أو الميزابية التي تحكي في الزربية، ما كانت تعيشه حولها في المنزل. كما تعد زربية "القندورة الميزابية" وزربية "بني يزقن" من أشهر الزرابي في الولاية وهاتان الزربيتان من أقدم وأعتق زرابي قصور وادي ميزاب وتعود إلى مئات السنين أما أكثر الألوان التي ترمز لولاية غرداية هي الأحمر القاني والأسود والأصفر والأخضر وتستخدم هذه الألوان في الزرابي إذ يرمز اللون الأخضر إلى الطبيعة والأصفر إلى الشمس الساطعة والكثبان الرملية والأبيض إلى سلامة قلوب أهل المنطقة. وتنسج الميزابيات نوعا جميلا من الزرابي، كانت قديما تُنسج من وبر الجمال أو صوف الغنم، ثم اقتصر نسجها على الصوف، وتنسج الزرابي الميزابية على المنسج التقليدي الميزابي، حيث تتعلم البنات النسج عليه في سن مبكرة. ولا تكتفي المرأة المزابية من صنع شيء وبيعه بثمن لتعين من يعولها، بل أبدعت في نسج الزربية المزابية التي تعدّ تحفة فنية في تراثنا العريق، فمن قصر إلى قصر تختلف في الاسم والشكل والرسومات، وقد تبدو للوهلة الأولى مجرد سجاد، لكن زربية غرداية، كتاب مفتوح يطل على الأحداث الكبرى، ويوثق يوميات المرأة في قصور وادي ميزاب. وخلف هذا المنسج تقف المرأة لأشهر، فهذه الآلة التقليدية والبسيطة، تمثل إحدى ركيزتي الحضارة الميزابية، وقصورها التي تمتد لعشرة قرون، والمصنفة كتراث إنساني في اليونيسكو. وللحفاظ على الهوية والبناء المجتمعي المتماسك في غرداية، تشجع الفتيات بداية من سن الثامنة، بصناعة منسج صغير، وتشتري مؤسسة خاصة متواجدة بالولاية كل زربية نسجت بأناملهن الناعمة، لتعلمهن الصبر قبل الحرفة.