الجزائر سترمي بكل ثقلها الدبلوماسي لتعزيز التعاون والتشاور رسم خارطة طريق توافقية ومتكاملة لآفاق 2050 أكد الخبير الطاقوي أحمد طرطار، أن منتدى الدول المصدرة للغاز الذي سينعقد بالجزائر نهاية الشهر الجاري، يأتي للوقوف على معطى أساسي للتكيّف مع الظروف الجيوسياسية والاقتصادية والاستهدافات التي سيعمل على تكريسها في شكل خارطة طريق تعمل على استدامة التعاون المثمر بين الدول الأعضاء وكذا المنتجة، حيث ستسعى بلادنا بكل ثقلها على تعزيز العمل التوافقي والتشاوري لتطوير استغلال هذه المادة على غرار تطوير عمليات البترول، والوصول إلى تشكيل احتكار أو كارتل للدول المصدرة للغاز والتحكّم في الأسعار والإنتاج، وتدفق المنتوج في السوق من خلال نفس الآليات الموجودة في أوبك+ أو أوبك، وهي التي ستكون محل مشاورات ومضمون البيان الختامي للمنتدى، حسب ما أوضحه محدثنا في حوار ل"الشعب". "الشعب": احتضان الجزائر لفعاليات منتدى الدول المصدرة للغاز، فرصة لطرح رؤيتها تجاه تطوير هذا المورد الطاقوي الهام؟ ما هو الدور المنتظر منها لإنجاح أشغاله؟ أحمد طرطار: صحيح أن منتدى البلدان المصدرة للغاز أو قمة الغاز قمة ككل القمم، لكن لابد أن تتفرّد فيها الدبلوماسية الجزائرية انطلاقا من مكانتها وعلاقاتها بمجموع الدول المنضوية تحت لواء هذا المنتدى، سواء كانت دول دائمة العضوية أو مراقبة، وحتى باقي الدول المنتجة غير المنضوية في هذا المجال والتي لها مصداقية مع الجزائر وتتعامل بإيجابية معها. فالجزائر من خلال دبلوماسيتها تستطيع جمع الأضداد فما بالك بالأنداد الذين تجمعها معهم أهداف واحدة، لهذا فبلادنا من خلال هذا التجمع ستعمل على تعميق المشاورات وتتفاعل برأيها مع باقي آراء المجموعة، ما سيؤدي إلى رسم خارطة طريق تمتد إلى آفاق 2050، للتعامل مع هذا المورد الأحفوري الذي يتميز بخصائص تختلف عن باقي مصادر الطاقة، فهو صديق للبيئة غير ملوث كليا، يستخدم في الطاقات البديلة كالأمونيا، الكهرباء، والهيدروجين الأخضر، واستخداماته في المجالات المختلفة إلى جانب تكاليفه البسيطة مقارنة بالمنتوجات الأخرى ما يجعله ذات أهمية. ومن خلال الاستراتيجية أو خارطة الطريق التي ستضعها الدول المجتمعة يجب عليها بحث كيفية زيادة الاستثمارات وبالتالي الرفع من حجم الاحتياطي العالمي الذي هو حاليا في حدود 72% من مجموع الدول الأخرى، ويمكن الرفع منه إلى 80%، في حال تمّ تكريس جهود كبيرة وتشجيع الاستثمارات لاستغلال منابع ومواطن إنتاج هذا المورد في الدول المعنية. في المقابل هناك إمكانية لاستقطاب دول أخرى دخلت مؤخرا على خط الإنتاج وهي دول صديقة للجزائر، وبالتالي بالإمكان تطوير استثماراتها في هذا المجال وإدخالهما في المنتدى، إضافة إلى البحث عن التكنولوجيات الجديدة لتعزيز القدرة على الاستكشاف بشكل توافقي بين الشركاء أو بالاستلهام من علاقات هؤلاء الشركاء مع كبريات الشركات الناشطة في هذا المجال ونقل خبرتها، وذلك في إطار تفعيل تعاون تكنولوجي وهو ما ينتظر أن يقوم به معهد الأبحاث لمنتدى، من خلال استقطابه أكثر لهذه التكنولوجيات بهدف تطوير تقنيات الاستخراج والبحث وتوزيعها على الأعضاء المنضوين. وبالنسبة لأسعار المنتوج التي ربطت سابقا بالبترول كون أن تسويقه كان بسيطا والطلب عليه أقل، فستكون هذه النقطة أيضا محل نقاش بين الإبقاء على هذا الارتباط أو أن الضرورات الدولية ستستدعي فك هذا الارتباط بهدف تثمين هذا المورد الطاقوي وتعزيز مكانته. - هل تعتقد أن الظروف الجيوسياسية الحساسة والمتوترة ستلقي بظلالها على مضامين رسم خارطة طريق لآفاق 2050؟ واستحداث آليات جديدة لأجل تثمين المورد الطاقوي وتعزيز مكانته في السوق؟ في الحقيقة هو نفس المعطى لكن يأتي في ظروف جيوسياسية استثنائية مقرونة بحرب أوكرانية روسية لم تنته، وبانعكاسات كوفيد-19 لم تنته إلى غاية يومنا هذا، والوضع الاقتصادي العالمي، بالإضافة إلى الوضع المستجد في منطقة الشرق الأوسط وهو الوضع الذي تسببت فيه أمريكا وربيبتها المتمثلة في الكيان الصهيوني وفتح مجال باب المندب، وفي حال تطور الوضع إلى حرب إقليمية ستختلف الأوضاع أيضا ونكون العام المقبل أمام منتدى آخر وقمة استثنائية أخرى إذا استدعت الضرورة. وبالتالي بالنسبة للدول الأعضاء هذه الأوضاع هي عابرة لأن كل دولة تركز على كيفية الاستفادة من منتوجها داخل بلادها وبوسائلها الخاصة والمحافظة عليه والعمل على تطويره وزيادة حجم تسويقه بالأسعار التي تخدم مصالحها، رغم إمكانية التصادم مع مصالح المستهلك - على غرار ما حصل بالنسبة لأسعار البترول - وعقد شراكات "الند للند" مع الشركات الأجنبية من خلال فرض الدول المنتجة لشروطها وليس العكس، وبالتالي سيطغى مبدأ توازن المصالح وتقاسم المنافع والذي سيكون الحكم للاستفادة من مزايا هذا المورد الطاقوي. إلى جانب ذلك هناك نقطة إيجابية وهي سيادة الدول على ثرواتها الباطنية، وبالتالي لا يمكن لأحد التحكم في الدول المنتجة وإلا سيكون هناك عزوف عن البيع وستضطر أمريكا - رغم أنها المستفيد الأول من الأزمة من خلال تسويقها للغاز المسال إلى أوروبا، خاصة وأن أسعار هذا الأخير خمسة أضعاف من الغاز الطبيعي - وأوروبا صاغرة للبحث عن بدائل، وما عودة بريطانيا وألمانيا للفحم إلا دليل على الأزمة الخانقة التي أوقعت فيها القارة العجوز نفسها جراء انسياقها وراء الولاياتالمتحدةالأمريكية. - المؤشرات الاقتصادية للغاز إيجابية اليوم، هل ستجعل منه مصدر طاقوي حاسم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستقبلا؟ ليس بالضرورة رغم أن الغاز الطبيعي مصدر من مصادر التمويل الطاقوي والذي يستخدم في إيجاد بدائل طاقوية أخرى إلى جانب الطاقة الذرية والشمسية، لكن يجب أن نعلم أن هناك مصادر أخرى مازالت تحافظ على مكانتها على غرار البترول والفحم، في المقابل يبقى الغاز الطبيعي البديل المتاح وسهل الاستخدام والاستغلال وبالتالي ميزاته النسبية كما ذكرنا سابقا تجعل من التعامل معه مريح والتعاطي أيضا معه إيجابي. لهذا سيتم العمل على تثمينه وتطوير إنتاجه وتشجيع الاستثمارات في البحث والاستكشاف وتطوير تقنيات الاستخراج من أجل جعله مورد أساسي للبدائل الطاقوية رغم أنه ليس المصدر الأوحد كما قلنا. - يعد منتدى الدول المُصدّرة للغاز شريكا دوليا موثوقا في السوق الغازية، كيف ترى مكانته اليوم في ظل كل ما مرّ به ومستقبله المربوط برهانات وتحديات معلومة وأخرى ما تزال هامدة؟ وهو حاليا يعمل على رسم سياسات التسعير، انتاج وتسويق المنتوج، البحث عن التكنولوجيات التي كانت في وقت سابق محتكرة، لهذا فانعقاده هذه المرة بالجزائر التي تعدّ بوابة نحو افريقيا ومقابلة لأوروبا إلى جانب كونها منتج موثوق وتعاملها الإيجابي معها، كلها معطيات تخدم المنتدى وستعزز مكانته أكثر خاصة مع رسم خارطة طريق أو استراتيجية متكاملة شاملة وتوافقية مستنبطة من الحوار والنقاش بين مختلف القادة والرؤساء تترجم المرونة التي تتطلبها العملية الاقتصادية تضمن تأقلمها مع الظروف الداخلية للدول وللمنتدى والتي هي جيدة جدا.