بكثير من التعظيم والفرح يستقبل الموريتانيون شهر رمضان الفضيل، الذي يعتبرونه ظرفاً زمانياً مباركاً للازدياد من الطاعات، والإكثار من القربات، فيه يمارسون العديد من العادات والتقاليد الموروثة، التي لا يخلو بعضها من مفارقة وغرابة في أحايين كثيرة. يوزّع الموريتانيون شهر رمضان إلى ثلاث عشريات، يطلقون عليها تسميات مستوحاة من بيئتهم البدوية، فيسمون العشرية الأولى "عشرية الخيل"؛ ربما لكونها تنقضي بسرعة، وعلى العشرية الثانية "عشرية الإبل"، أما الثالثة والأخيرة فيسمونها "عشرية الحمير"؛ لأنّها تمر بطيئة على الصائمين الذين أخذ منهم التعب أيّما مأخذ. عادات موروثة ما إن يقترب شهر رمضان الكريم حتى يكفّ الموريتانيون عن حلاقة شعر رؤوسهم، وشعور أطفالهم، ومع الأيام الأولى يبدؤون حلاقتها، تيمناً بالشعر الذي ينمو مع مرور أيام الشهر الفضيل الذي يسمونه "زغبة رمضان". ولرمضان يؤخرون العديد من الأمور والمناسبات السعيدة، مثل عقود الزواج، والدخول للمنازل الجديدة، وختان الأبناء. وفي القرى الريفية لقوميتي "الفولان" و "السوننكي" تجرى عمليات ختان جماعية، ويطوف الأطفال يومها داخل القرية وسط مظاهر احتفالية يكون فيها لجماعات المغنين والموسيقيين الدور الأبرز. ويختم أغلب الأئمة القرآن في الليلة السابعة والعشرين من رمضان، التي يسود اعتقاد واسع بأنّها الموافقة لليلة القدر. والعادة أن يصطحب غالبية المأمومين أواني وقوارير مملوءة بالماء في هذه الليلة إلى المصلى؛ من أجل أن ينفث الإمام فيها بعد إتمامه الختمة؛ التماساً لبركة القرآن. وجبات خاصة مع أنّ موريتانيا تقع على واحد من أطول شواطئ العالم (بطول يمتد على مسافة تزيد على 700 كم) وأكثرها ثراءً بالأسماك عالية الجودة، فإنّ استهلاك شعبها للأسماك ما يزال ضئيلاً، ويكاد ينحصر في الفئات الأفريقية الأصل المشتغلة بمهنة الصيد، أما العرب والأرقاء السابقون "الحراطين" فتغلب على موائدهم اللّحوم الحمراء التي يستهلكونها بنهم كبير. وللموريتانيين عاداتهم الغذائية الخاصة في رمضان، فوجبة "الطاجين" المشكّلة من لحوم وخضراوات (البطاطا والبصل)، هي الغالبة على المائدة عند الإفطار، مصحوبة بالحساء المعدّ من دقيق الذرة أو الشعير أو الدخن وأحياناً من الخضراوات المطحونة، التي يطلقون عليها "سوب"، وبعد التراويح يتناولون وجبة الكسكس واللّحم للعشاء. مائدة الإفطار عند الموريتانيين لا تتم إلا بالشاي الأخضر الذي يطلقون عليه اسم "أتاي"، ولهم فيه طقوس خاصة. فلا بد في الشاي من أن يعدّ على مهل، ولا بد من شربه بحضور جماعة، ويستحسن أن يطبخ على جمر، وتلك جيمات الشاي الثلاث المعروفة عندهم (الجر والجمر والجماعة). عند الإفطار لا بد من إحضار "الزريق"، الذي هو عبارة عن مشروب معدّ من اللبن أو الرائب المخلوط بكميات من الماء والسكر، ويفضّل أن يقدّم في أوانٍ خشبية يدعونها "القداح"، وفي السحور يكون "الزريق" وشيء من الأرز المسلوق مع الحليب. من المشروبات التي يفضّلها الموريتانيون في إفطارهم "البيصام"، الذي يسود الاعتقاد بأنّ له مزايا صحية وأنّه مزيل للعطش، وهو مشروب أفريقي أحمر اللون، يتم إعداده من خلال نقع عشبه في الماء الساخن، ثم تبريده وتحليته وتوزيعه في أكواب على الصائمين. إحياء رمضان يحيي الموريتانيون أيام وليالي رمضان بإقبال كبير على المساجد التي تبدأ مجالس التدريس والمدارسة فيها بعيد صلاة الظهر، العادة عند بعض فئات المجتمع ذات الأصول الأفريقية أن تخصّص الجلسات العلمية بعد الظهر للفقه، وبعد العصر لتفسير القرآن الكريم، في حين يحرص آخرون على ختم صحيح البخاري في كلّ رمضان. وتقام صلاة التراويح في المساجد والساحات العامة؛ حيث يقبل على حضورها الكبار والصغار والذكور والإناث. وتغير القنوات الإذاعية والتلفزيونية، العمومية منها والخاصة، برامجها في رمضان؛ حيث تفرد مساحات واسعة في البرامج والنشرات للشأن الرمضاني المرتبط منه بمعاشات الناس وقضاياهم، الدنيوية منها والدينية.