دمار وأنقاض وجوع وموت في كل مكان هل يُعاد إعمار غزّة؟ اقترب العدوان الوحشي على الفلسطينيين من وضع أوزاره بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار ليبرز الحديث عن إعادة إعمار غزّة وتكاليفها المليارية المتباينة بحسب مصادرها علماً أنها كلها أرقام أولية تحتاج إلى الكثير من التمحيص والتدقيق بعد تمكن الفرق الهندسية والفنية المتخصصة من إجراء مسح ميداني لكل المدن والأحياء والأزقة فيما ينتظر سكان قطاع غزّة بدء دخول قوافل المساعدات والإغاثة المتعلقة بهم فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد حرب استمرت 16 شهراً دمر فيها الاحتلال مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية وعزز من الجوع والفقر والبطالة. ق.د/وكالات ومنذ اليوم الأول للحرب في 7 أكتوبر 2023 فرض الاحتلال حصاراً خانقاً ومشدداً حيث منع إدخال جميع الشاحنات وقطع الكهرباء والمياه عن القطاع ويحتاج القطاع بشكل فوري لكميات كبيرة من الغذاء والدواء بالإضافة للخيام أو البيوت المتنقلة في ظل تدمير كبير طاول مختلف البيوت والأحياء السكنية والمنازل وعدم وجود أماكن صالحة للعيش في الفترة الأولى التي تسبق عملية إعادة الإعمار. وأقصى التقديرات المتداولة حتى الآن كانت أوردتها شبكة بلومبيرغ في أوت 2024 عندما نقلت عن خبراء أن عملية إعادة إعمار قطاع غزّة ربما تكلف أكثر من 80 مليار دولار إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض خلفتها الحرب الدائرة منذ أكثر من عشرة أشهر. وفي هذا الصدد نقلت الشبكة الأمريكية عن كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند البحثية ومقرها كاليفورنيا دانييل إيغل قوله إن إعادة بناء غزّة قد تكلف أكثر من 80 مليار دولار إذا أخذنا في الاعتبار النفقات المخفية مثل التأثير طويل الأجل لسوق العمل المدمر بسبب الموت والإصابة والصدمات . وكان البنك الدولي والأممالمتحدة قد قدّرا في تقرير سابق تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزّة بنحو 18.5 مليار دولار بين أكتوبر 2023 وجانفي 2024. وبحسب بلومبيرغ فإن هذه الأنقاض تكفي لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة وقد يستغرق إزالة كل تلك الأنقاض سنوات بتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار. كما نقلت بلومبيرغ عن أستاذ تاريخ العمارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مارك جارزومبيك الذي درس إعادة إعمار غزّة بعد الحرب العالمية الثانية قوله إن ما نراه في غزّة هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخ التخطيط الحضري. إنه ليس مجرد تدمير للبنية التحتية المادية بل تدمير للمؤسسات الأساسية للحكم والشعور بالحياة الطبيعية . *دمار شامل وفي تفاصيل الأنقاض كانت الأممالمتحدة قد أشارت في أكتوبر الماضي إلى أن إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه العدوان قد تستغرق سنوات وتكلف 1.2 مليار دولار وذلك بعدما أشار تقدير للأمم المتحدة في افريل 2024 إلى أن الأمر سيستغرق 14 عاماً لإزالة الأنقاض إذ قدرت وزارة الصحة الفلسطينية في ماي المنصرم أن هناك نحو 10 آلاف جثة تحت الركام. أما بخصوص الوحدات السكنية فقد أظهر تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2024 أن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزّة قد تستمر حتى عام 2040 على الأقل وقد يطول الأمر لعدة عقود. ووفقاً لبيانات الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة في ديسمبرفإن ثلثي المباني في غزّة قبل الحرب أكثر من 170 ألف مبنى تهدمت أو سويت بالأرض بما يعادل نحو 69 من إجمالي مباني القطاع. ووفقاً لتقديرات الأممالمتحدة فإن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245123 شقة فردية فيما قال مكتب الإغاثة الطارئة التابع للأمم المتحدة إن أكثر من 1.8 مليون شخص في قطاع غزّة يحتاجون حاليًا إلى مأوى طارئ. وسلط مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية الضوء على مدى الدمار على طول الحدود الشرقية لقطاع غزّة. فحتى ماي 2024 كان أكثر من 90 من المباني في هذه المنطقة بما في ذلك أكثر من 3500 مبنى إما مدمرة أو تعرضت لأضرار شديدة. أما بالنسبة للبنية التحتية فقد ذكر تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية جانفي 2024 وقد أثرت على المباني السكنية وأماكن التجارة والصناعة والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والطاقة. وأظهر تحديث صادر عن مكتب الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في جانفي 2025 أن المتاح الآن من إمدادات المياه أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب فيما تعرض ما لا يقل عن 68 من شبكة الطرق لأضرار بالغة. وفي القطاع الزراعي أظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي حللتها الأممالمتحدة أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزّة تدهورت بسبب الصراع. وتكشف البيانات زيادة في تدمير البساتين والمحاصيل الحقلية والخضراوات في القطاع الفلسطيني حيث ينتشر الجوع على نطاق واسع بعد 15 شهراً من العدوان. قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي إن 15 ألف رأس من الماشية أو أكثر من 95 من إجمالي الماشية ونحو نصف الأغنام ذبحت أو نفقت منذ بدء الصراع. أما بالنسبة للمؤسسات فتُظهِر البيانات الفلسطينية أن الصراع أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجداً وثلاث كنائس. وأظهر تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن العديد من المستشفيات تهدمت أثناء العدوان حيث لم تعد تعمل سوى 17 وحدة فقط من أصل 36 وحدة وبصورة جزئية في جانفي الجاري. والخميس أعلنت وزارة الصحة العالمية أن إعادة بناء النظام الصحي في قطاع غزّة خلال السنوات المقبلة تتطلّب 10 مليارات دولار. *الجوع يتصاعد في غزّة وحسب تقديرات الأممالمتحدة وخبرائها فإن الجوع تصاعد في القطاع بشكل صاروخي حيث يواجه أكثر من 90 من السكان انعدام الأمن الغذائي وأكثر من 300 ألف شخص يعانون من الجوع الكارثي على الأرجح. ووفقاً للتقديرات الأممية فإنه لا يزال حوالي 120 ألف طن متري من المساعدات الغذائية موجودة خارج القطاع وبانتظار السماح بإدخالها وهو ما يكفي لتوفير الحصص الغذائية للمواطنين بالكامل لأكثر من ثلاثة أشهر. وانتهج الاحتلال خلال الحرب أسلوب التجويع إذ كان يسمح بإدخال عدد محدود من الشاحنات لا يزيد عن 80 شاحنة في أفضل الأحوال يومياً فيما كان يسمح للعصابات المسلحة بسرقتها ونهبها قبل وصولها لمخازن الجهات الأممية والإغاثية. وقبل الحرب اعلى القطاع كان يصل إلى غزّة عبر الجانب المصري والمحتل قرابة 600 إلى 800 شاحنة من مختلف احتياجات الفلسطينيين الأساسية مثل المواد الغذائية والدوائية والمحروقات والغاز الطبيعي. وشكّلت بوابة صلاح الدين التجارية مع مصر في السنوات الأخيرة شريان الحياة الاقتصادية للقطاع بالإضافة لمعبر كرم أبو سالم التجاري الواقع جنوب شرقي القطاع حيث كان يجري إدخال الشاحنات التجارية يومياً من خلال هذين المنفذين. ونتيجة لحرب التجويع التي شنها الاحتلال شهد العام الأخير وفاة أكثر من 50 فلسطينياً بفعل الجوع وفقاً لما تمكّنت الجهات الحقوقية من توثيقه فضلاً عن حالات لم يجر توثيقها بالذات في مناطق شمالي القطاع. *تكدس المساعدات في الأثناء يقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة إسماعيل الثوابتة حجم المساعدات المكدسة التي لم تدخل غزّة بأكثر من 600 ألف طن وهي لا تقتصر فقط على المواد الغذائية بل تشمل أدوية ومستلزمات طبية وخياماً وشوادر بلاستيكية. ويقول الثوابتة إنه لتلبية الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزّة يُقدّر أن القطاع بحاجة إلى 1000 شاحنة يومياً تشمل مواد غذائية وأدوية ومواد بناء ووقوداً وهي تقديرات تعتمد على تقييمات الاحتياجات الحالية التي تجريها الطواقم الحكومية المختلفة. وحسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي فإنه قبل إغلاق معبر رفح وصلت إلى القطاع مساعدات محدودة موزعة بين مواد غذائية وأدوية ومواد إغاثية أخرى ولم تكن هذه المساعدات تكفي لنسبة 5 من احتياجات الفلسطينيين في غزّة ما أدى لانتشار الجوع. وعن أبرز المساعدات التي يحتاجها القطاع يوضح أن غزّة تحتاج إلى مساعدات في القطاع الصحي وتضم إنشاء وترميم المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الأشعة والأدوية والصيدليات وإجراء العمليات الجراحية في القطاع الخاص والعام وغيرها إذ إنّ التقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع تبلغ نحو 575 مليون دولار. ووفقاً للثوابتة فإن القطاع يحتاج إلى المواد الغذائية بشكل كبير جداً لضمان الأمن الغذائي لأكثر من 2.4 مليون نسمة في غزّة بالإضافة إلى الوقود بأنواعه المختلفة لتشغيل المستشفيات والمرافق العامة وكل القطاعات الحيوية المختلفة. ويشير إلى أن القطاع يحتاج إلى مساعدات على الصعيد التعليمي حيث إن الاحتلال قام بتدمير الجامعات والكليات والمدارس والتقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع بنحو 1.85 مليار دولار. ويلفت الثوابتة إلى حاجة القطاع الماسة على صعيد الإسكان لإعادة إعمار وبناء وترميم القطاع الإسكاني والقطاعات المنزلية وبلغت التقديرات الأولية لخسائر هذا القطاع 18.5 مليار دولار.