يُعد مسجد "سيدي غانم" من أقدم المعالم التاريخية التي شيدت في الجزائر، فهو رمز حضاري وتاريخي كبير مرتبط بهوية الأمة العربية والإسلامية. يعود تاريخ بنائه، إلى ما قبل 13 قرناً وتحديداً سنة 59 للهجرة الموافق لسنة 678 ميلادية، حيث حافظ الجزائريون على بقائه رغم تعاقب السنين. في مدينة ميلة وعلى بعد 495 كيلومتراً شرق العاصمة، يقع المسجد الذي بناه الصحابي الجليل أبو المهاجر دينار المعروف، بمسجد سيدي غانم. هذه المدينة التي كانت تحت الاحتلال البيزنطي (534-647م) ويدين سكانها بالمسيحية، تمكن أبو المهاجر دينار من جعلها مركزا لجنوده الفاتحين، ومنطلقاً لفتوحاته الإسلامية، كما كشفت بعض المراجع التاريخية، حول مدينة ميلة التي كانت تُعتبر مركزا لإرسال الحملات العسكرية. يُحاكي مسجد "سيدي غانم" رغم بساطته، روعة الإبداع الإسلامي في شمال إفريقيا، إذ بُني بعد أربع سنوات من حُكم البيزنطيين على أنقاض كنيسة رومانية، وكان بمنارة المسجد 365 درجا على عدد أيام السنة، ويبلغ علوها 62 مترا، وهو ما يعادل 20 طبقا من البنايات الحديثة، أما عن تخطيطه، فيذكر علماء الآثار والتاريخ أنه يُشبه مسجد القيروانبتونس والمسجد الأموي بسوريا. كما صُنّف كثاني أقدم مسجد على مستوى شمال إفريقيا بعد مسجد القيروان في تونس، وهو ما تؤكّده الأبحاث التاريخية التي تذهب إلى أن هذا المسجد هو الأقدم في الجزائر، نظرا لمعطيات علمية، ومنها اتجاه محراب المسجد الأصلي والذي كان نحو الجنوب، كما كان شائعاً في المساجد الإسلامية الأولى بالمشرق العربي. في حين يُمكن تحديد معالم المسجد، من خلال الباب الشرقي لمدينة ميلة العتيقة، والذي يسمى باب البلد، حيث إنّ المسجد ملاصق لدار الإمارة هناك، ولازالت الثكنة العسكرية والأسوار الأربعة المحيطة، شاهدا على محاولات التخريب الذي طالته من الجيش الفرنسي، حيث حاول هدمه، لكنه بقي مغطى من الخارج بالقرميد. من جهة لم يسلم مسجد "سيدي غانم" كغيره من المعالم الإسلامية والثقافية في الجزائر، من محاولات طمس الهوية الجزائرية، إذ حاول الاستعمار الفرنسي تحويل الأسوار المحاذية له، إلى ثكنة عسكرية يحيط بها سور المدينة، والذي يعود تاريخ بنائه للعهد البيزنطي بطول 1200 متر، ويتواجد به 14 برجا للمراقبة، كما خصّص القسم العلوي من المسجد كمرتع لجنود الاحتلال الفرنسي، أما القسم السفلي فجعلته إدارة الاحتلال "اسطبلات للخنازير والأحصنة"، كما تم تحويل دار الإمارة التي بناها الفاتح أبو المهاجر إلى "مطبخ للجنود"، وجعل من بيت الوضوء "مرشات للجنود". ليبقى مسجد "سيدي غانم"، رمزا للهوية العربية والإسلامية، إذ يعتبر حلقة مهمة في التاريخ الجزائري وتحديدا في ولاية ميلة العريقة، وقد شهد مؤخرا اهتماما من الأكاديميين والباحثين في مجال الآثار، حيث سمحت باكتشاف حقائق قيمة، وقد شهد المسجد عملية تحسين وترميم للحفاظ عليه كمعلم تاريخي، حيث تم تسييج كل الأسوار المحيطة به.