الجزائر رفضت مسايرة الوضع القائم داخل الهيئة الأممية أداء دبلوماسي فعال وبأساليب مبتكرة وغير مسبوقة في تاريخ مجلس الأمن وضع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ضوابط "صارمة" و«واضحة" لتحرك الجزائر في ملف الصراع الفلسطيني-الصهيوني، سمحت بتقديم أداء دبلوماسي مهني وفعّال أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمامات مجلس الأمن الدولي، الذي اعتمد أول قرار ملزم بوقف إطلاق النار في غزة، بمبادرة جزائرية. تصدّرت الدبلوماسية الجزائرية، واجهة الأحداث الدولية، منذ مباشرتها لولايتها الجديدة، في مجلس الأمن الدولي، قبل 03 أشهر، حيث قدمت جهودا حثيثة، ركزت خصيصا على القضية الفلسطينية وتطورات الوضع في قطاع غزة، في ظل العدوان الصهيوني الغاشم الذي زهق أرواح أزيد من 32 ألف شخص، وجرح عشرات الآلاف وشرد أزيد من مليون ونصف. وأظهر الوفد الجزائري، في نيويورك بقيادة السفير عمار بن جامع، أداء دبلوماسيا فعّالا للغاية وبأساليب "مبتكرة" و«غير مسبوقة" في تاريخ مجلس الأمن، ما أثمر في نهاية المطاف بتبني قرار يدعو بشكل صريح إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة. وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، سلّط الضوء في ندوته الصحفية التي نشطّها، الثلاثاء، بمقر الوزارة، إلى منطلقات وضوابط التحرك الجزائر في الصراع الفلسطيني الصهيوني، بشكل عام والعدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة بشكل خاص. ومما فهم من تصريحات رئيس الدبلوماسية الجزائرية، أن الجزائر ومنذ أن شغلت مقعدها في مجلس الأمن الأممي، رفضت مسايرة الوضع القائم داخل هذه الهيئة التنفيذية التابعة للأمم المتحدة، كما رفضت حالة الأمر الواقع التي فرضها الكيان الصهيوني على كثير من أعضائه، ما خلف حالة شلل تام. وقال عطاف في وثيقة تمهيدية سبقت الندوة الصحفية "قُوبل العدوان الصهيوني الهمجي على أشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة، بِرضوخِ العديد من أعضاء مجلس الأمن لمنطق الأمر الواقع، والتسليم باستحالة التوفيق بين التوجهات المتناقضة لأعضائه، وبالتالي غياب أي مبادرة فعلية من مجلس الأمن في سبيل وضع حدّ لهذا العدوان، أو حتى التخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين". وأضاف قائلا: إن " هذا الأمر رفضته الجزائر منذ اليوم الأول لانضمامها للمجلس عبر إصرارها على ضرورة، بل حتمية، اضطلاع المجلس بالمسؤوليات المنوطة به تجاه القضية الفلسطينية، التي جعلت منها بلادنا أولويَتَها الرئيسية، وشُغلَها الشاغل، وعنوانَ جميع مبادراتها الدبلوماسية". على أساس هذه المنطلقات، بدأت الآلة الدبلوماسية الجزائرية بالتحرّك، بناء على تحليلات دقيقة لحالة مجلس الأمن، مستخدمة قوّتها التفاوضية والتشاورية لتفكيك اللّغم تلو الآخر، خاصة تلك المرتبطة بتشابك مصالح عديد الأعضاء والأعضاء الدائمين مع الكيان الصهيوني وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة. وأكد عطاف الجهود الجزائرية الحثيثة والمستمرة، تمت في إطار "في إطار مجموعة من الضوابط والتوجيهات والتعليمات التي وضعها السيد رئيس الجمهورية، بصرامة شديدة، وبصيغة بالغة الدقة والوضوح، وبثبات لم تزعزعه لا حدّة الشدائد، ولا حجم الصعوبات وثقلها". وأوضح وزير الشؤون الخارجية، أن المستوى الأول الذي حدده الرئيس تبون ويتعلق بالقضية الفلسطينية في مجملها، ووجه بموجبه ببعث الحل السياسي للقضية الفلسطينية من جديد، بعد أن تم تعطيله وتغييبه لأكثر من 25 سنة، وإعلاء الشرعية الدولية نصّاً وروحاً، كقاعدة لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط والتوصّل لحل عادل ودائم ونهائي للقضية الفلسطينية. وأمر رئيس الجمهورية، يقول عطاف، بالتركيز على حتمية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتكثيف الضغوط على المحتل الصهيوني لحمله على التقيّد بالشرعية الدولية، وتجريده من حصانة اللامحاسبة، واللامساءلة، واللاعقاب. ووجه أيضا بالسعي لاكتساب دولة فلسطين العضوية الكاملة بمنظمة الأممالمتحدة. والدفع قُدُماً بمشروع المصالحة الوطنية ولمِّ الشمل الفلسطيني، كضرورة مُلحة، وكمطلب أكيدٍ لبعث المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيقه بكل مراميه، وبكل مقاصده، وبكل متطلباته. وفيما يتعلق بالظروف المأساوية التي يفرضها العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة، فقد وضع رئيس الجمهورية، يضيف وزير الشؤون الخارجية، ضوابط "رفعت ولا تزال ترافع من أجلها الدبلوماسية الجزائرية في مجلس الأمن". وتتمثل هذه الضوابط العمل على تفعيل وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، وتوفير الحماية الضرورية للشعب الفلسطيني، وفقاً لما تنص عليه المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة. إلى جانب وضع حد للمعوقات والعراقيل التي تعترض جهود الإغاثة الإنسانية الموجهة للشعب الفلسطيني في كافة أنحاء قطاع غزة، والتصدي لمشاريع وحملات التهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزة. مع الحرص على تشجيع التوجه نحو محاكمة الاحتلال الصهيوني أمام الهيئات القضائية الدولية، وبالخصوص أمام محكمة العدل الدولية، وأمام المحكمة الجنائية الدولي، وعدم القبول بتجزئة مُعالجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وفرض احترام استقلالية القرار الفلسطيني والإرادة الفلسطينية في تحديد مستقبل الدولة الفلسطينية. وفي هذه النقطة أوضح، عطاف، تأكيد الجزائر على قناعتها الراسخة بأن ما صار يعرف بمشروع "الحوكمة الانتقالية لغزة" لن يكتب له النجاح إلاَّ إذا تم إدراجه ضمن إطار أوسع، ألا وهو إطار إقامة الدولة الفلسطينية السيدة. واعتبر أن هناك مبادرات منها ما هو "جاد" وماهو "عبثي" في قضية الحوكمة في غزة، مشددا على رفض أي تجزئة تفصل بين غزة والضفة الغربية والقدس، وأن أي مسعى في هذا الاتجاه يجب أن يكون تحت العنوان الكبير المتمثل في "الدولة الفلسطينية". 07 اجتماعات بطلب منها على ضوء هذه الضوابط التي حددها رئيس الجمهورية، باشرت الدبلوماسية الجزائرية، مهمتها في مجلس الأمن الدولي، بمساعي حثيثة، نصرة للقضية الفلسطينية خلال الأشهر الثلاث الأولى، من خلال تكثيف المداولات حول القضية الفلسطينية داخل مجلس الأمن، وتعزيز الزخم الدبلوماسي لها خارج أسوار المجلس سيما في المنظمات الدولية والإقليمية التي تنتمي إليها الجزائر. مع المبادرة بطرح مشاريع القرارات. وفي سرده لحصيلة الوفد الجزائري في الأممالمتحدة، كشف عطاف أن الجزائر، بادرت بالدعوة لعقد العديد من الاجتماعات على مستوى مجلس الأمن حول العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حيث عقد منذ الفاتح جانفي الماضي ما لا يقل عن 7 اجتماعات بطلب من الجزائر لوحدها. وأفاد في المقابل، بعمل الجزائر على تعزيز الزخم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية خارج مجلس الأمن، عبر التركيز على العمل من أجل تعزيز المواقف المشتركة لمختلف المنظمات التي تنتمي إليها الجزائر، بدء بجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي ووصولا إلى حركة عدم الانحياز. وأوضح وزير الشؤون الخارجية، أن الجزائر وفي سياق السعي لتعزيز الضغط على مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته، فقد "تم اللجوء إلى صيغ مبتكرة وغير مسبوقة على شاكلة اللقاء التشاوري التي تم تنظيمه بمبادرة من الجزائر بين أعضاء مجلس الأمن وأسر الضحايا الفلسطينيين الناجين من القطاع. وإلى جانب هذه التحركات، بادرت الجزائر بتقديم مشاريع قرارات لمجلس الأمن، وتمكن وفدها من قيادة مبادرة مشتركة مع مجموعة العشرة (الدول المنتخبة غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن)، توجت باعتماد أول قرار "بمضمون واضح وهادف وضريح ألا وهو المطالبة بوقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة". وذكر عطاف بأن الجزائر كانت قد تقدمت بمشروع قرار لتفعيل التدابير التحفظية التي أقرتها محكمة العدل الدولية، لا سيما عبر السعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. "وهو المشروع الذي حاز 13 صوتاً مؤيداً، مع امتناع دولة واحدة دائمة العضوية بالمجلس، وقيام دولة أخرى دائمة العضوية كذلك باستخدام حق "الفيتو" لإبطاله". الخطوات المقبلة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أكد أن المكتسبات التي حققها الجزائر خلال هذه الفترة، ستتواصل بجهود أخرى "وفق الأولويات التي حددها رئيس الجمهورية بكل دقة ووضوح". وأعلن أن الخطوات المقبلة ستركز في غالبيتها على متابعة تنفيذ هذا القرار والعمل على تحقيق وقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكذا تأمين وصول المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب الفلسطيني دون أي قيود أو شروط. وفي السياق، أكد أهمية المبادرة بطرح صيغ وآليات تمكن منظمة الأممالمتحدة من متابعة تنفيذ ما أقره مجلس الأمن، وخاصة امتثال الكيان الصهيوني لقرارات مجلس الأمن. في المقابل، كشف عطاف، أن موضوع العضوية الكاملة لدولة فلسطينبالأممالمتحدة صار يطرح نفسه " بقوة واستعجال"، مشيرا إلى أن كثير من الطابوهات سقطت بفعل العدوان الصهيوني الغاشم، وبات الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية محل حديث واهتمام داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. سيدة في قراراتها وخياراتها رئيس الدبلوماسية الجزائرية، أكد أن المحددات التي وضعها رئيس الجمهورية، أن الجزائر تظل سيدة في قراراتها وخياراتها ووفية لعقيدتها الدبلوماسية التي تتخذ من "نصرة القضايا العادلة ركيزة أساسية لها لا تخل بثباتها المتغيرات والظروف العابرة". وأكد عطاف، أن الجزائر تسعى لأن تكون قوة اقتراح وقوة مبادرة في مجلس الأمن، "لاسيما وأن سِياسَتَها المبنية على عدم الانحياز تُتِيحُ لها قدراً معتبراً من المرونة والتكيف لتكون همزة وصل بين مختلف الفاعلين الدوليين". وشدّد على أن الجزائر تأخذ على محمل الجد العهدة المنوطة بها في مجلس الأمن، والثقة الموضوعة فيها من قبل نظرائها من الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة.