إذا كان الماليون قد احدثوا المفاجأة بمشاركتهم القياسية في الاقتراع الرئاسي الذي جرى الأحد الماضي، فان فوز المترشح ابراهيم أبو بكر كايتا كان متوقعا رغم المنافسة القوية التي شكلها بعض منافسيه وعلى رأسهم المترشح صومايلا سيسي عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. والفوز هذا يعود بالأساس إلى المكانة التي يحتلها كايتا قي قلوب الماليين والتجربة التي استخلصها من المناصب الهامة التي اعتلاها سابقا وعلى رأسها منصب رئيس الوزراء وايضا برنامجه الانتخابي الثري والدعم الذي لقيه من مختلف الدول وعلى رأسها الجزائر التي راهنت عليه باعتباره رجل المرحلة الحساسة التي تجتازها مالى، فهو الاكثر قدرة على اقرار المصالحة الوطنية واطلاق حوار جامع لا يستثني أحدا وهو الأقدر على جلب الأمن والاستقرار ليس فقط لبلاده بل وللمنطقة باكملها. وفي انتظار ترسيمها هذا الجمعة، فان النتائج الأولية لفرز الأصوات للانتخابات الرئاسية المالية أسفرت عن تقدم كايتا عن منافسيه بفارق واسع من الأصوات، إذ حصد أكثر من 50 بالمائة من ثلث الأصوات المعبر عنها حسب ما أعلن وزير الداخلية وإدارة الأراضي موسى سينغو كوليبالي، وهذا يعني انه سيتوج رئيسا دون المرور إلى الدورة الثانية التي كانت مقررة يوم 11 أوت. وأثار الإعلان عن فوز كايتا ابتهاجا لدى مؤيديه الذين خرجوا في العاصمة باماكو للاحتفال بهذا الانتصار الذي تحقق بعد هزيمتين مني بهما الرجل خلال الانتخابات الرئاسية في 2002 و2007. إبراهيم أبو بكر كايتا، اذن سيكون الرئيس الذي تحتاجه دولة مالي لطي المرحلة الانتقالية وإعادة بناء مؤسسات الحكم ودفع عجلة التنمية بدعم من المجموعة الدولية واطلاق برنامج تنموي في الشمال واشراكه في الحياة السياسية. ومن شأن هذا الزعيم القبلي المعروف باسم «الرجل الحديدي» ان يكون مهندس المصالحة في بلد يعاني من انقسام شديد خاصة وانه كان أول من زار كيدال الساخنة الواقعة شمال شرق مالي بين المرشحين ال27، ووعد بأنه سيعيد اللحمة بين أبناء الشعب الواحد الذي قسمته الأطماع الانفصالية للبعض والتدخلات الخارجية للبعض الآخر. وقد قاد كايتا حملة انتخابية ناجحة وقال في خطبه التي يستهلها دائما بآيات قرآنية (90٪ من سكان مالي مسلمون) «من أجل كرامة مالي سأستعيد السلام والأمن، وسأعيد الحوار بين كافة ابناء أمتنا، سألم شمل شعبنا من حول القيم التي صنعت تاريخنا وهي الكرامة والسيادة والشجاعة والعمل». وقد كان ابراهيم ابو بكر كايتا خلال الثمانينيات مستشارا في الصندوق الأوروبي للتنمية ثم رئيس مشروع تنمية في شمال مالي. وأطاحت رياح الديموقراطية التي هبت على القارة الافريقية في 1991 بالجنرال موسى تراوري الذي قاد مالي بقبضة من حديد منذ 1968، وأطاح به انقلاب تلى انتفاضة شعبية، وشارك ابراهيم ابو بكر كايتا بعد سنة في فوز الفا عمر كوناري، مرشح التحالف من اجل الديمقراطية في مالي (اديما). وفي فيفري 1993 عين وزيرا للخارجية ثم رئيس الوزراء السنة التالية في ظرف شهدت فيه مالي ازمة مدرسية واضرابات شلت البلاد. وبعد صراعه مع التلاميذ والطلاب والنقابيين، واجه معارضي نظام الفا عمر كوناري الذي انتخب مجددا في 1997 لولاية ثانية وأخيرة من خمس سنوات. وكان ابراهيم ابو بكر كايتا يعتقد انه في انتخابات 2002 سيكون مرشح حزبه ليخلف كوناري. لكن عندما تخلى عن منصب رئيس الوزراء قوبل بحركة احتجاج داخل حزبه «اديما»، فانسحب من الحزب الرئاسي وأسس حزبه في 2001 التجمع من أجل مالي. وعلى الرغم من دعم قسم من عناصر «اديما» التحقوا بحزبه، هزمه في الانتخابات الرئاسية في 2002 امادو توماني توري، الجنرال الذي اطاح بموسى تراوري في 1991 ووفى بوعده تسليم الحكم الى المدنيين بعد ذلك. ووصف ابراهيم ابو بكر كايتا تلك الانتخابات بانها «محض مهزلة» وأصبح رئيس الجمعية الوطنية لمدة خمس سنوات، وهزمه امادو توماني توري مجددا في 2007، ويبدو ان انتخابات 28 جويلية التي جاءت في ظرف اسوأ أزمة لم تشهدها البلاد من قبل، حققت حلمه.