يستمر الحصار الجهنمي الارهابي الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة منذ 17 شهرا بفضل تواطؤ بعض الجهات الفلسطينية والعربية الرسمية، التي شجعت منذ البداية فرض هذا الحصار واستمراره وتصعيده بالصورة غير المسبوقة التي يعيشها مليون ونصف المليون من سكان غزة، مما جعل الأممالمتحدة والمنظمات الانسانية الدولية تحذر من وقوع كارثة انسانية غير مسبوقة. والواقع أنه لولا الصمت الدولي المنشغل حاليا بأحداث مومباي ومن قبلها بالأزمة المالية العالمية وتشكيل ادارة البيت الابيض التي يقوم بها الرئيس الامريكي المنتخب باراك أوباما وغياب الضمير العالمي كعادته مع القضية الفلسطينية، لما وصل تصعيد الحصار الى تداعياته المأساوية الراهنة، حيث يعيش سكان غزة دون أدنى الحقوق الانسانية في الظلام الدامس واكل منتجات الدواجن والماشية، وبدون حليب للأطفال وأدوية الرضع الخدج والاطفال والنساء والشيوخ على السواء، مما يهدد برفع حصيلة أرواح المرضى الذين يرقدون على اسرة الانعاش واجهزة غسيل الكلى والامراض المزمنة والمرضى العالقين بمراكز العبور الى أكثر من 250 حالة وفاة مرضية مسجلة لحد الآن خلال اشهر الحصار ال ,17 ولعل آخر أوجه معاناة سكان غزة الصامدين منع وعرقلة حجاجها من السفر الى البقاع المقدسة لآداء فريضة الحج هذا العام. ورغم أن تنفيذ اتفاق التهدئة بين اسرائيل وحماس الذي تم بواسطة مصرية بدأ تنفيذه منذ 19 جوان الماضي، وأعطى تل ابيب الأمن الذي طالما سعت اليه، فإنه لم يرقى للمستوى الذي كانت تسعى إليه حكومة هنية المقالة التي عملت بأقصى مالديها للحفاظ عليه بقصد رفع الحصار عن القطاع والتخفيف من معاناة الفلسطينيين، وتصدت خلال ذلك لبعض التجاوزات من جهات نخبوية تعمل لحساب أجندة الاحتلال بهدف افشال هذه التهدئة. إن خرق هذه التهدئة يوم 4 نوفمبر الماضي تتحمل مسؤوليته اسرائيل بعد اغتيالها لعدد من ناشطي حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بدون مبرر والذي تم الرد عليه في حينه من جانب المقاومة الفلسطينية باستئناف قصف جنوب اسرائيل من دون وقوع أية ضحايا، مما يكشف حقيقة نوايا تل ابيب في تشديد الحصار على غزة بدعوى قصفها بالصواريخ والعمل تحت هذه الذريعة الواهية على في تطبيق سياستها العدوانية المعهودة منذ انشاء الكيان الصهيوني، ولعل ابرز دليل على ذلك هو اعطاء وزير الدفاع الاسرائيلي الأوامر للقادته العسكريين باعداد المخططات لتصفية حركة حماس بصورة نهائية. ومن المؤكد أن التهديدات الاسرائيلية بالاكتساح الشامل لقطاع غزة يندرج ضمن هذه المخطط العدواني ويأتي في سياق تنفيذ المرحلة الأخيرة من المخطط الاسرائيليعلى الطراز العراقي . فبعد تركيع الفلسطينيين بتشديد الحصار على قطاع غزة، بما يؤدي الى الوفاة البطيئة لسكانها، ومن ثم اعمال القتل فيهم جوعا ومرضا يفسح المجال في هذه المرحلة للآلة العسكرية الاسرائيلية للاجهاز على المقاومة الاسلامية وبالتالي القضاء على كابوس النظام السياسي لحماس الصامد في وجه المؤامرات والمخططات التوسعية الصهيونية. لهذا لا يجد قادة اسرائيل كعادتهم غضاضة في التغطية على لسياستهم العدوانية باستغفال العرب ومعهم العالم أجمع بالادعاء بأنهم ضحية الارهاب الفلسطيني، فالبرغم من الخرق الاسرائيلي الواضح للتهدئة وتصريحات بعض قادتهم بانتهاء هذه التهدئة، تؤكد وزير الخارجية الاسرائيلية لدى آخر اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالقول أن المجتمع الدولي يدعو لتطبيق سياسة ''زاعمة أنها تتجاهل اعمال الارهاب الهادف الى ايذاء المدنيين''. وهي في ذلك تستمر في الترويج لسياسة الاغتصاب والبطش والقمع النابعة من أعماق الايديولوجية الصهيونية العنصرية المعهودة، وذلك على حساب الضعف الفلسطيني الذي زاده انقسام الاشقاء ضعفا على ضعف. ولعل التهدئة بالنسبة لاسرائيل يجب أن تتم من قبل الصامدين الفلسطينيين وحدهم، الذين عليهم أن يباركوا القمع الاسرائيلي ويحفظوا أمن الدولة الاسرائيلية وسياستها التوسعية الاستيطانية القائمة على اغتصاب ما تبقى من أرض فلسطين التي أقرها قرار التقسيم الأممي في سنة ,1948 أما تصفية قوات الاحتلال للنشطاء الفلسطينيين دون أي مبرر سوى الاستباقية الوقائية فهو أمر مشروع مثلما هو الأمر بالنسبة لقتل المدنيين الابرياء سواء كانوا اطفالا او نساء وشيوخا. والواقع أن تسيبي ليفني تستمر بمثل هذه التصريحات في تجاهل آخر أعمال آلة الارهاب الاسرائيلية المترتبة عن حصار غزة الهادفة أساسا الى ايذاء المدنيين الفلسطينيين، وجعلهم يموتون ببطئ جوعا ومرضا مثلما يحدث بالنسبة للمرضى العالقين بمعابر العار، نتيجة منعهم من تلقي العلاج بعد حجب الدواء عنهم. ولهذا فإن حصار غزة اليوم الذي يجعل سكانها يعيشون في سجن بدون طعام أو دواء أو طاقة، يتهدهم الموت البطىء يعد بحق جريمة حرب، تضاف الى جملة الجرائم المرتكبة منذ أكثر من 60 عاما بحق الشعب الفلسطيني الهادفة الى اغتصاب ما تبقى من ارضه وتشريده، وهذه الجريمة الجديدة اليوم تفرض كعقاب جماعي للشعب الفلسطيني على اختياره لحركة حماس في الانتخابات الأخيرة التي شهد بنزاهتها الاعداء قبل الاخوة والاصدقاء. واليوم في ظل فشل الحصار المآساوي في تركيع الشعب الفلسطيني في غزة، ينبغي على السلطة الفلسطينية ومعها بعض دول الجوار نفي تهمة المساهمة في تشديد واستمرار هذا الحصار الجائر بالعمل الفعلي الجاد مثلما على المجتمع الدولي التحرك والخروج عن صمته لوقف هذا الحصار الذي يتناقض مع أبسط قواعد القانوني الدولي والانساني، وضمن هذا السياق نشير الى تأكيد مشير المصري النائب في المجلس التشريعي والمتحدث باسم حماس بخصوص معاناة سكان غزة المحرومين من اساسيات الحياة بفعل الحصار وتدعياته ''أنه رغم الحصار فلن يتنازل أهل غزة عن ثوابتهم، ولن يركعوا الا لله''، وأن كل البراهين على استسلام أهل غزة خسرت لأن الحصار موجه لأناس يعشقون الشهادة. ------------------------------------------------------------------------