رحل مانديلا، أول أمس، عن عمر ناهز 95 عاما قضاها مدافعا عن حرية الشعوب المستضعفة ومقاوما لأشكال العنصرية والاضطهاد في العالم، وذلك بمنزله بجوهانسبورغ إثر مرض عضال بالرئة ألزمه الفراش لشهور. وبوفاة نيلسون مانديلا، يكون العالم قد فقد أحد رجالاته العظام في العصر الحديث، والذي عزّاه ونكّس الأعلام، حدادا وحزنا عليه، مثلما وقع بمقر منظمة الوحدة الإفريقية بإثيوبيا. كما تدفق أبناء جنوب إفريقيا ومازالت الحشود تتوافد على منزله للتأبين والعزاء. وقد ذكرت مفوضية الاتحاد الإفريقي، أنها قررت تنكيس الأعلام في مقر الاتحاد، وتنظيم حفل تأبين خاص يوم الأحد، تكريما له ووضع سجل للتعازي، وأن حفل التأبين سيكون حدثا مشتركا مع الحكومة الاثيوبية وسفارة جنوب إفريقيا والمفوضية الإفريقية. وقد حدد يوم 15 ديسمبر الجاري لإجراء مراسيم تشييع جنازة مانديلا، حسب ما أعلن عنه رئيس جنوب إفريقيا «جاكوب زوما» في قرية «كونو» بمنطقة ترانستاي جنوب شرق البلاد. وقد ضحّى مانديلا بأعزّ سنوات حياته من أجل تحرير شعبه من براثين نظام الميز العنصري (الآبارتايد)، الذي ظل بموجبه الرجل الأبيض يسلّط أبشع أنواع القمع والإضطهاد على الأفارقة السود، أصحاب الأرض، ويحرمهم من أبسط حقوقهم المدنية والسياسية والحياتية، وقوبل كفاح مانديلا بالقمع، حيث قضى ثلث عمره تقريبا في السجون والمعتقلات. وترك رحيل مانديلا، ألما وحسرة في قلوب أبناء شعبه وفي قلوب شعوب كل المعمورة، لما يحظى به من تقدير واحترام. ولد مانديلا في 18 جويلية 1918، ولقّبه أفراد قبيلته ب»ماديبا»، أي «العظيم المبجّل»، حيث خلف والده على رأس القبيلة لما دخل إلى السجن. وبدأ والده إعداده لتولي المنصب، وكان لوالده أربع زوجات و13 طفلا (9 بنات و4 أطفال)، وهو ابن الزوجة الثالثة، وكان مانديلا أول شخص في عائلته يذهب إلى المدرسة، ومات والده وهو في التاسعة من عمره ليصبح معيل إخوته. وفي سن 16 تابع دراسته في معهد «كلارك بيري» وحصل على المرتبة الأولى، وفي سنه ال19 انتقل إلى الكلية، وذلك سنة 1937، كما اهتم بالملاكمة والجري. وحصل على وظيفة مساعد في مكتب محاماة بفضل صديقه «والتر سيسولو» الذي كان محاميا، فأنهى مانديلا دراسته عن طريق المراسلة مع جامعة جنوب إفريقيا (نيسا)، ثم بدأ دراسته في القانون في جامعة «ويتو وترسراند». نشاطه السياسي: بدأ معارضته السياسية لنظام الحكم الذي كانت تحكمه الأقلية البيضاء والذي كان يستعمل الميز العنصر، وينكر الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الأغلبية السوداء، وفي سنة 1942 انضم مانديلا إلى المجلس الإفريقي القومي الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية. وفي عام 1948 انتصر الحزب الوطني في الانتخابات العامة صاحب الخطط والسياسات العنصرية وأصبح مانديلا خلالها قائدا لحملات المعارضة والمقاومة غير المسلحة، لكن بعد إطلاق النار على متظاهرين عزل عام 1960، وتم إقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية. قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي الدخول في المقاومة المسلحة في عام 1961 وأصبح مانديلا رئيسا للجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وفي فيفري 1962، اعتقل وحكم عليه 5 سنوات سجنا بتهمة السفر غير القانوني والتدبير للإضراب. وفي عام 1964 حكم عليه مرة أخرى بتهمة الخيانة العظمى والتخطيط لعمل مسلح، فحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي 10 جوان 1980 تم نشر رسالة استطاع مانديلا إرسالها للمؤتمر الوطني الإفريقي، قال فيها «اتحدّوا وجهّزوا وحاربوا إذ ما بين سندان التحرك الشعبي ومطرقة المقاومة المسلحة سنسحق الفصل العنصري». وفي سنة 1985 عرض عليه إطلاق سراحه مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، إلا أنه رفض العرض وبقي في السجن إلى غاية 11 فيفري 1990، حيث أطلق سراحه بأمر من الرئيس فريدريك ويليام.. وقد تحصل سنة 1993 على جائزة نوبل للسلام. شغل مانديلا منصب رئاسة المجلس الإفريقي (جوان 1991 / ديسمبر 1997) ورئيس جنوب إفريقيا من ماي 1994 إلى جوان 1999). وفي عام 1999 تقاعد، إلا أنه تابع تحركه مع الجمعيات والحركات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم، وتلقى العديد من الميداليات والتكريمات من رؤساء وزعماء دول. في 2005 اختارته الأممالمتحدة سفيرا للنوايا الحسنة، وتزامنا مع ميلاده التسعين في جوان 2008، قرر جورج بوش شطب إسم مانديلا من لائحة الإرهاب الأمريكية.