لعل آلة التصوير الرقمية التي دخلت كل البيوت في العالم تقريبا، سهّلت أكثر فأكثر مهمة حامليها إلى التقاط أكبر قدر ممكن من الصور والتفنن في عرضها، وهذا ما لم يكن متاحا قبل عقد من الزمن. تطور جعل عدسة الفنان مراد عمراوي يجوب مختلف المدن والصحاري الجزائرية، ليلتقط صورا محمولة في لوحات لا تختلف في الجوهر عن رسومات الفنانين التشكيليين، فالصورة الفوتوغرافية التي تحمل سحرا مميزا، فرضت ولازالت تفرض نفسها منذ أكثر من قرن، أتيحت ل «الشعب» الفرصة للخوض في عوالم هذا الفن الراقي الذي استضافته مدينة الجسور المعلقة في معرض بقاعة امحمد اسياخم بالمركز الثقافي محمد العيد آل خليفة. ❊ الشعب: أطلقتم على معرضكم هذا عنوانا يجمع بين «الواقع والمحاكاة»، لماذا هذا العنوان بالذات؟ ❊❊ مراد عمراوي: في الحقيقة عندما طلب مني التحضير لإقامة معرض في قاعة أمحمد إسياخم بقسنطينة كان للمعرض عنوانا آخرا وهو «وجوه إفريقية»، وهذا من خلال عرض لصور وبورتريهات لتعابير وجه الإنسان الافريقي، لكن وللأسف في اللحظة الأخيرة تمّ تغيير عنوان المعرض إلى «بين الواقع والمحاكاة»، حيث اضطرني الأمر إلى عرض مجموعة من الصور على شكل موزاييك أو مزيج من المواضيع المختلفة. ❊ الصور التي تلتقطها عدسة المصور بالمئات، ما هو رصيد مراد عمراوي من الصور التي ترقى إلى عرضها في معارض فنية، وهل يمكن معرفة عدد مشاركتكم حتى الآن؟ ❊❊ صحيح، رصيدي العام لا يمكن عدّه على الإطلاق، لكن أقرب الصور إلى قلبي تعدّ بالعشرات فقط، ومنذ سنوات تقريبا أقمت أكثر من 50 معرضا في أغلب ولايات ومدن القطر، حيث لم تبق إلا بعض المدن التى تعد على رؤوس الأصابع لم أحط بها الرحال حتى الآن، لكن أنوي إقامة معارض بها في القريب العاجل. ❊ من الصور التي يحتضنها معرضكم اليوم، بورتريهات عن الشيخوخة، ماذا وراء هذا الاختيار؟ ❊❊ أنا أميل أكثر إلى إبراز تعابير وتقاسيم الوجه، وملامح الشيخوخة تفي بالغرض المطلوب فيما أتوخّاه، والشيخوخة في نفس الوقت هي مرحلة إجبارية في حياتنا وحياة البشر على الإطلاق، فالشيوخ هم آباؤنا وأجدادنا، وهي الفئة التي علّمتنا كيف نعيش ونفكر ونعمل، لهذا فإن الاهتمام بها يعدّ أكثر من ضرورة ومطلب. ❊ مازجتم في المعرض بين صور قليلة بالأبيض والأسود وأخرى كثيرة بالألوان، هل الأبيض والأسود بدأ حقا يتراجع حتى بالنسبة للفنان؟ ❊❊ الصورة بالأبيض والأسود تبقى دائما قريبة لى قلب الفنان، وكل إنسان عاش في الفترة التي كان للأبيض والأسود فيها حضورا قويا، يبقى الحنين دوما إليها لا يحده زمن أو مسافة، غير أن العمل بالألوان هو بمثابة الانتقام من الواقع، لكن هذا لا يعني أنّنا سنهجر الأبيض والأسود، وأنا أفضّل عندما أقيم معرضا بهذه الصور أن أطلق عليه تسمية «أبيض وأسود» لأنّه سيبقى أسطوريا أو خرافيا. ❊ كيف تقيّمون عالم الصورة الفوتوغرافية في الجزائر، خاصة وأنّ التقنيات الحديثة أضحت في متناول الأغلبية. ❊❊ ستبقى للصورة دائما مكانتها الخاصة، وإنسان اليوم يهتم أكثر فأكثر بالصورة من خلال الهاتف الجوال، باعتباره أداة سهلة للتصوير والاحتفاظ بالصورة في نفس الوقت، وهذا عكس ما كان يحدث في الماضي من صعوبة في امتلاك الأدوات والتقنيات المطلوبة، ولذلك فالاهتمام بالصورة اليوم هو في تطور مستمر وأنّ التقنيات الحديثة عجّلت في القضاء على صعوبات الماضي. ❊ في الجزائر مناظر طبيعية جميلة لا يمكن حصرها، وأنّ عدسة المصور «الفنان» كفيلة بإبرازها الى العالم أجمع، ألا تعتقدون أنّ في هذا تقصير منا خاصة وأنّ الصور بوّابة لجلب السياحة والتعريف بالموروث الثقافي؟ ❊❊ الصورة «الرسالة » لإيصال المناظر الطبيعية الجزائرية للخارج موجودة بالفعل لكن ليست بالشكل الكافي، فالأشخاص لا يهتمون أو لِنَقُل لا ينتبهون لمثل هذه الأشياء، وهم في بعض الأحيان لا يعترفون بواقع الأمور بهذا الفن أو هذا المنظر، وجل اهتمامهم ينصب الى خارج الحدود ولا يولون اهتماما إلى ما هو داخل الوطن، كما أنّ أغلبية الإدارات العمومية تعتمد على «الانترنيت» في الحصول على الصور وهو ما يقتل الإبداع وروح المبادرة في عالم الصورة، لهذا يجب على الإدارات العمومية خاصة في مجال السياحة التفطن لهذا الأمور وتدارك ما فات. ❊ في رحلاتكم عبر ربوع الوطن، ما هي المنطقة التي أثّرت فيكم ودخلت في ألبوم مراد عمراوي قبل غيرها؟ ❊❊ دون تفكير، هي منطقة الصحراء والواحات، لماذا؟ لأنّ فيها ألوان لا تقاوم بشهادة الكثير، وأنّ كثيرا من الأجانب خاصة من الأمريكيين والألمان يزورون الصحراء لتصوير المناظر الطبيعية وتسجيل هاته الأطياف من الضوء والظلال والألوان التي تنفرد بها هذه المناطق من بسكرة الى بوسعادة وحتى أقصى الجنوب، هذا وإن كنا نحن كجزائريين لا نولي اهتماما لهذه المناطق السحرية رغم أنّ فنانين تشكيليين نقلوها عبر رسوماتهم وتحتضن أغلب متاحف العالم لوحاتهم الباهرة من أمثال الرسام الشهير «نصر الدين دينييه» وغيره كثير. كما أريد أن أشير هنا، أنّ لأخذ أو التقاط الصورة ثقافة وتقنيات معينة، فهي في الحقيقة لعبة بين الضوء والظلام ومختلف الزوايا، وإذا كان كل إنسان يستطيع التقاط صورة معينة فإنّ المصور الفنان وحده من يستطيع إضفاء لمسة فنية على الصورة يصعب على غيره مجاراته فيها. ❊ ونحن نزور المعارض المختلفة، غالبا ما نلاحظ قلة الزوار والاهتمام بالعمل الثقافي من قبل المواطن، ما هو السبب في رأيكم؟ ❊❊ أنا كنت دائما أطالب بإقامة المعارض على الأرصفة وإخراجها من قاعات العرض، حتى يستطيع المواطن الاحتكاك بمختلف الأعمال الثقافية ويلمسها على أرض الواقع، وقد سبق وأن قمت بذلك في وقت سابق بمدينة الأغواط وقد استقطب المعرض جمهورا غفيرا لم أشهده من قبل، وما استنتجته أنّ الثقافة لابد أن لا تكون فوق الرؤوس بل على الطريق العام، وهذا ينطبق على كل الفنون، ولم لا أن نعمل على إخراج خشبة المسرح للشارع ومشاهدة مسرحية ما على الطبيعة، وليستمتع بها كل الناس؟