دعا عدد من المثقفين الجزائريين إلى ضرورة تخصيص فضاء حر لممارسة الفعل الثقافي بعيدا عن الهيمنة التي تسهم في قتل الإبداع وتهميش المجتمع المدني، وأضافوا بأن الجزائر بحاجة إلى مشروع ثقافي وحضاري تنتجه النخب ويشترك فيه الجميع. وأشار المثقفون خلال ندوة فكرية نظمتها الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة، أمس، بقصر الثقافة «مفدي زكريا»، بعنوان: «الثقافة في الجزائر... واقع وآفاق»، نشطها الدكتور محي الدين عميمور، بأنه لا يمكن إحداث التغيير الثقافي إلا في فضاء حر والتصالح مع الذات والآخر، فضلا عن وضع استراتيجية شاملة تهتم بالثقافة بمختلف أشكالها. وفي هذا الصدد، قال الروائي أمين الزاوي، إن هناك إرادة سياسية عليا لدعم الثقافة في الجزائر، تجلت ملامحها منذ الاستقلال الوطني، غير أنها غير كافية، مشيرا إلى أن «اليونيسكو» دعت إلى تخصيص واحد (1) من المائة من ميزانية الدولة للثقافة؛ وهو «ما لم تعمل به الجزائر». وأضاف، أن دعم الدولة للثقافة لا يعني الهيمنة عليها، بل منحهما هامشا من الحرية، حتى لا نخلق ثقافة المناسبات وتتحول إلى ثقافة رسمية تسهم في قتل الإبداع وتهميش المجتمع المدني، مؤكدا أن المبدعين هم من ينتجون الثقافة والتي يجب أن تكون صوت المجتمع المدني، قائلا: «الثقافة تنتجها النخب ويشارك فيها الجميع». ودعا أمين الزاوي في سياق حديثه، إلى ضرورة إعادة النظر في بعض المفاهيم فيما يخص المكتبات، المتاحف، قاعات السينما والمسارح والموسيقى والكتاب، والذي هو بحاجة إلى دعم، حيث يعتبر الحلقة الأضعف في مجال الثقافة بسبب غياب المقروئية. وعرّج أمين الزاوي بالحديث عن اهتمام الطبقة السياسية بالثقافة، مشيرا إلى أن الأحزاب من أكبر المغيبين لها، بحيث لم نسمع من قبل عن أي حزب ساهم في تنظيم ندوة فكرية، أو تأسيس جمعية ثقافية، مؤكدا أن الثقافة مسؤولية الجميع لبناء صرح متين، وطالب في ذات السياق بضرورة القضاء على المركزية التي تقتل الإبداع، ونقل الثقافة إلى القرى والمناطق المعزولة. كما دعا الزاوي إلى الابتعاد عن ال«قيتوهات»، التي تتأسس في ظل وجود العربية والفرنسية والأمازيغية، وخلق جسر التواصل فيما بين هذه اللغات وتحويلها إلى مساحات للتنوع، مضيفا أن «الثقافة في الجزائر، ليست بيانات للانقلاب، بل هي بحاجة إلى الأخلاق والإيمان بالحرية واحترام الآخر». من جهتها أشارت الأديبة زهور الونيسي، أن الثقافة حاجة أساسية للنمو الروحي والعقلي للإنسان، على اعتبار أنها تشكل أهم المعالم الحضارية للمجتمع، ومن خلالها يمكن التنقل من مجتمع منغلق إلى متفتح يسهم في إحداث التواصل بين الأجيال وتلاقح الحضارات. وأضافت زهور ونيسي، أن من يحمل رسالة التغيير والتطور هو المثقف الرائد بفكره، المستشرف والمتحرر، وقدمت في سياق حديثها مثالا عن الثقافة في العالم المتقدم، والتي لا تنفصل عن العلوم الاجتماعية والانسانية، كما أن المثقف يتمتع بالاحترام من قبل الطبقة السياسية، كون السياسيين يبنون مجتمعهم الحضاري عن طريق الثقافة، تضيف الونيسي. وقالت ونيسي، إن المثقف «يعيش بين المطرقة والسندان فلا السلطة راضية عنه ولا هو راض عنها»، مشيرة إلى ضرورة الإجابة على عدد من التساؤلات «أي ثقافة نقصد»؟، «ما هي مفاهيمها وعلى أي أساس ترتكز»؟، «كيف نفهمها وكيف نخطط لثقافة جديدة تواكب العصر»، قائلة إنه لا يمكن إحداث التغيير إلا في فضاء حر والتصالح مع الذات، فضلا عن وضع استراتيجية شاملة تهتم بالثقافة بمختلف أشكالها. أما رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، عزالدين ميهوبي، فقد دعا إلى محاربة «المليشيات» التي تعمل على تهديم الثقافة، مستخدمين في ذلك أساليب غير أخلاقية، معيبا في ذات السياق عن غياب الحوار بين الكتاب والمثقفين الجزائريين. وقال ميهوبي، إن الثقافة هي القيمة المضافة للمجتمع، الذي لا يتحرك من فراغ وإنما من خلال الإبداع الفني والثقافي. وأضاف ميهوبي، أن الجزائر بحاجة إلى مشروع ثقافي حقيقي تُسهم في خلقه المؤسسات الثقافية المتواجدة عبر الوطن. وأضاف، بأن الثقافة في الجزائر نوعان: الاستهلاكية والمتمثلة في المهرجانات والنشاطات، والاستثمارية وتشمل السينما، المسرح والكتاب، قائلا: «كيف يمكن لنا الحديث عن الفن السابع في غياب قاعات السينما، أو الحديث عن الكتاب في غياب دور النشر، خاصة وأن الناشرين يرون أن مهامهم تنتهي عند الطباعة، ويتناسون بأن الكتاب منتوج فكري». وأعاب المتحدث على غياب الثقافة في المدن الكبرى، مرجعا ذلك إلى اهتمام المسؤولين بالمناصب فقط، داعيا إلى توفير الشروط المادية والتقنية وإعادة الاعتبار للرموز الفكرية الكبرى.