أهمّ ما ميّز سنة 2014 في مجال المحافظة على الذّاكرة الوطنية، وتعريف الأجيال بما صنعه الأجداد الأمجاد، هو النّشاطات والاحتفالات المخلّدة لخمسينية الاستقلال، لاسيما الذكرى ال 60 لثورة أول نوفمبر 1954، هذه الأخيرة أولتها وزارة المجاهدين العناية الكبيرة، ويتجلّى ذلك من خلال توسيع مظاهر الاحتفال إلى كامل ربوع الوطن، ولمدة سنة كاملة أي لغاية نوفمبر 2015، ممّا سيسمح بنقل رسالة الشّهداء وترسيخها في أذهان الأجيال الصّاعدة، وهذا تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد «عبد العزيز بوتفليقة. أهم حدث هو تنصيب وزير من جيل الاستقلال وهو ابن شهيد، الذي أعطى نفسا جديدا للقطاع من خلال زياراته التضامنية إلى المجاهدين المنسيّين والفئات الهشّة من ذوي الحقوق، للاستماع إلى انشغالاتهم وتسوية مطالبهم، حيث شرع في مراجعة قانون المجاهد والشهيد، وهذا دليل على التواصل بين الجيل الجديد وجيل الثورة، كما أعطى اعتبارا للمتاحف الجهوية، وفتح أبوابها أمام المواطن للتعرف على تاريخ بلاده، حيث كانت أول زيارة للوزير لوسائل الإعلام إلى جريدة «الشعب». وتضّمن برنامج إحياء هذه المناسبة ملتقيات وندوات، ساهمت في تعميق الدراسات والبحث المتعلق بتاريخ الثورة بمختلف محطاته، وكذا إثراء رصيد الشّهادات الحية لمن عايشوا الأحداث وكانوا أهم الفاعلين فيها، حيث شاركن في ستينية الثورة مختلف القطاعات كالأمن الوطني من خلال منتداه الذي يستضيف في كل مرة أساتذة جامعيين للتعريف بأهم المحطات التاريخية. بما في ذلك سلك الجيش الوطني الشعبي من خلال الندوات التاريخية، التي كان ينظّمها الفريق اللواء قايد صالح بنادي الجيش، بالإضافة إلى كل من منتدى جريدة «الشعب» ومنتدى الذّاكرة الذي تنظمه جمعية مشعل الشهيد بالتنسيق مع يومية «المجاهد». وشهد الاحتفال الرسمي ليلة أول نوفمبر، عرضا توثيقيا يحمل عنوان «ملحمة الجزائر الكبرى»، وهو استعراض فني لتاريخ الجزائر على مدار 24 قرنا من الزمن مقتبس من مآثر الشاعر والأديب الراحل عمر البرناوي، تولّى الديوان الوطني للثقافة والإعلام إنتاجه بمشاركة 300 فنان، كما شمل برنامج الاحتفالات استعراضا شعبيا شاركت فيه مختلف القطاعات، والهيئات والمنظمات والجمعيات إلى جانب فرق فلكلورية وتشكيلات شبانية. وفي هذا الصّدد، فقد أكّد وزير المجاهدين الطيب زيتوني في العديد من المناسبات خاصة من منبر منتدى جريدة «الشعب»، أنّ أحسن رد على فرنسا الاستعمارية في الوقت الحالي هو تثمين تاريخنا وإبراز بطولات الجزائريين وما عانوه من ويلات الاستعمار، عن طريق الكتابة الموضوعية المتمحصة، كي نحميه من التزييف، حاثّا المؤرخين والباحثين على استغلال كل المعلومات التي بحوزتهم من أجل إعادة كتابة التاريخ بصورة صحيحة، وأن لا يبقى تاريخنا حبيس الأدراج ويجب نقله إلى الأجيال. علما أنّ الاحتفالات بالذكرى 60 لاندلاع الثورة المجيدة كانت فرصة لتسمية وإعادة تسمية المؤسسات والمباني والأماكن العمومية، بالتنسيق مع مختلف الهيئات المحلية والقطاعات الوزارية التي ساهمت بدورها في هذا الحدث تكريما لذاكرة أولئك الذين صنعوا مجده الجزائر. وتواصل مسعى قطاع المجاهدين من أجل حماية المواقع والأماكن المرتبطة بالذاكرة الوطنية وصونها، من خلال إنجاز وترميم وتهيئة 49 مقبرة عبر العديد من الولايات، وإنجاز وترميم المعالم التذكارية البالغ عددها 32 معلما. وبالموازاة مع ذلك، فقد سطّر القطاع برنامجا واسعا لعمليات ترميم وصيانة 25 معلما تاريخيا، وتدشين معالم مخلدة لخمسينية الإستقلال في كل من قسنطينة، وهران وورقلة، وهذا للأهمية التي تكتسيها المواقع التاريخية المرتبطة بالمقاومة الشعبية وثورة أول نوفمبر، كما كشف وزير القطاع عن تنظيم الملتقى الدولي المقرر العام القادم حول التعذيب ومعاناة الشعب الجزائري وملتقى آخر حول مساهمة الجزائريين في حركة التحرر العربية في القرنين ال19 وال20. علاوة على ذلك، سينظّم ملتقى وطني ذو طابع أكاديمي يتناول موضوع «المقاربات الأكاديمية في كيفية استغلال الشهادات الحية». وبالمقابل، فقد قام المتحف الوطني للمجاهد بتنظيم عدة محاضرات حول تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، مجازر 17 أكتوبر 1961 و11 ديسمبر 1960، ومحاضرة أخرى بالتنسيق مع جريدة «الشعب» الغرّاء تخليدا لمديرها الراحل محمد سعيدي والإعلامي كمال عياش اللّذين عملا في الجريدة، وغيرها من النشاطات. 4 آلاف شهادة حيّة للاستغلال واستطاع المتحف الوطني للمجاهد لحد الآن جمع 4 آلاف شهادة حية، وهي جاهزة وعلى المؤرّخين والباحثين استغلالها كما أمكن لكتابة التاريخ، حسب ما صرح به مدير المتحف مصطفى بيطام في وقت سابق ل «الشعب». كما تميّزت سنة 2014 بزيارة وزير المجاهدين إلى مختلف ولايات الوطن لتدشين المرافق المتعلقة بالتكفل الاجتماعي والصحي بالمجاهدين وذوي الحقوق، من أجل تحسين حقيقي للخدمات وكذا المعالم التاريخية تخليدا لمآثر كل منطقة، حيث شكّلت فئة المجاهدين وذوي الحقوق إحدى أولويات مخطط القطاع. ولكن للأسف، فقد شهدت هذه السنة رحيل العديد من المجاهدين صنّاع ثورة نوفمبر المجيدة، منهم الزبير بوعجاج عضو مجموعة ال 22، ومحمد مشاطي وصديق الثورة الجزائرية جون لوك اينودي، وغيرهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ قطاع المجاهدين عرف حركية نوعية في مجال التعريف بمآثر الثورة، لكن يبقى الكثير في مجال إعادة كتابة تاريخنا، للرد على التهجمات التي تصدر من أطراف حاقدة على الجزائر، وتريد تشويه ذاكرتها الجماعية التي صنعها الأمجاد والشرفاء.