أكّد الدكتور محمود زقزوق ان الحضارات الانسانية قامت على اساس الدين والعلوم معا، مشيرا الى ان الوحي القرآنى لفت الانظار والعقول الى مفاتيح الحضارة قبل ان يتحدث عن اى شئ آخر يتعلق بالعقيدة وامور الآخرة ومن ذلك ان الآيات الخمس الاولى من سورة العلق تأمر بالقراءة وتشيد بالعلم وبالقلم الذى هو وسيلة تدوين العلم وبالانسان الذى هو حامل هذا العلم. وقال أن الاسلام جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن المسلمين الاوائل أدركوا هذا المعاني وساروا على نهجها فكانت لهم إسهاماتهم فى تقدم العلوم وازدهار الحضارة، موضحا أنه إذا كانت الحضارة لا تقوم الا بالعلم فان العلم لا يقوم إلا بمنهج، واذا كان العلم فريضة فان منهج العلم فرضة وهو جزء لا يتجزأ من العلم. وأشار إلى أن العلم رحم بين أهله وتواصل بين الاجيال والحضارات، وكل جيل يضيف اليه شيئا جديدا يمهد به السبيل لمن يجيء بعده، فالعلم قابل للتطور المستمر وأنّ الكلمة الأخيرة في العلم والفلسفة لم يقلها جيل بعينه وإلا أصيب الفكر بالجمود وحكم عليه بالعقم الابدى، مؤكدا أنه لا يجوز لأي حضارة أن تدعي أنها أنجزت من أنجزت دون أن تستفيد من غيرها بشكل مباشر أو غير مباشر سواء كان هذا الانجاز تعديلا أو تصحيحا لما قاله السابقون أو إضافة جديدة للبناء العلمي الذي هو ملك للبشرية كلها.
الإنجازات الإسلامية وأوضح أن الحضارة الاسلامية استفادت من الانجازات العلمية والفكرية السابقة عليها كما أفادت بدورها الحضارة الاوروبية الحديثة بما قدمته لها من عطاء في العصور الوسطى، مؤكدا أنه لا يوجد مبرر لمحاولة البعض على الجانبين إنكار أو نفي هذا التواصل العلمي والحضاري بين الثقافات. وقال إن السماء والارض وما بينهما مجال للنظر والبحث العلمي، لكن هذا لن يكون متاحا إلا للذين يتفكرون ويستخدمون عقولهم في البحث والنظر دون اعتبار للجنس والدين والعرق واللغة، فالمجال مفتوح لكل من لديه استعداد لاستخدام عقله وفكره فيما خلق له. وانتقد د زقزوق الذين يطرحون فكرة اسلمة العلوم لتطوير حياتنا الاسلامية، مشيرا إلى انه كان من الاولى أن ننطلق من حيث انتهى الآخرون حتى نلحق بركب التقدم العلمي. وأضاف لقد انطلقت دعوة اسلمة العلوم منذ اكثر من ربع قرن لكنها لم تقدم شيئا للارتقاء بالعلم فى مجالاته المختلفة في العالم الاسلامي، مشيرا إلى أنه كان من الافضل أن توجه الجهود إلى البحث العلمي وأخلاقيات العلم التي أصبحت الحاجة إليها ملحة بعد أن وصلنا إلى مرحلة الاستنساخ البشرى وما يجره ذلك من عبث بالجينات البشرية، وما لذلك من آثار على حياة الجنس البشرى كله. وأكّد د زقزوق أن العودة إلى التراث العلمي فى الحضارة الاسلامية وإبراز الانجازات الرائعة التي قام بها العلماء المسلمون في السابق أمر مطلوب ومشكور لكن بشرط أن يكون ذلك في إطار حدود معينة، وفي إطار استعادة الثقة بأنفسنا حتى نستمر في السير على الدرب، موضحا أننا لسنا اقل في عقولنا وقدراتنا عن السابقين لكننا في حاجة إلى استعادة هذه الثقة حتى لا نصاب بمركب النقص إزاء الدول التي سبقتنا في التقدم العلمي والحضاري. التراجع الحضاري وأشار الدكتور عمر عبد الكافي إلى ضرورة ألا نضيع الوقت والجهد وألا نقف عند حد اجترار الذكريات أو التغني بالامجاد، مؤكدا ان التراجع الحضاري بدأ فى العالم الاسلامى عندما قنع المسلمون بما فعله الأجداد، وعندما شاعت مقولات تنشر اليأس في النفوس تقول أنه ليس في الامكان أبدع مما كان، وأنه لم يترك الأول للآخر شيئا، وهذا أدى إلى خروجنا من حلبة السباق، وأصبحنا كما هو الحال اليوم في مؤخرة الركب. وأكد الدكتور عبد الكافي أن العلوم الاسلامية كانت ثمرة لعقلية منهجية تتسم بالاصالة والانفتاح على التراث الانساني في الشرق والغرب، موضحا أن هذه العقلية ترعرعت في ظل دين عظيم يحترم العقل ويأمر بالعلم ويدعو إلى النظر ويحرر الفكر من قيود الجمود والتقليد، ويرى أن الحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق بها. وقال أن هذه الروح العلمية التي وجدت لدى المسلمين بتأثير من الكتاب والسنة جعلت العقلية المسلمة تبدع مناهج كثيرة لم تسبق اليها، وظهر ذلك في مذاهب الفقهاء واستنباطات الاصوليين ومناهج الكلاميين فى نصرة العقيدة الاسلامية ومجادلة أهل الاديان الاخرى كما ظهرت فى مناهج المحدثين التى كانت أصلا لمناهج تمحيص الوثائق والاخبار عند المؤرخين ولتحقيق المخطوطات والنصوص عند المحققين. وأوضح الدكتور عمر عبد الكافي أن وحدة المعرفة ظهرت بوضوح عند اصحاب هذه العقلية المنهجية، فليس هناك فصل بين ما هو دينى وما هو دنيوى مثلما كان الحال فى الحضارات الاخرى، وانما هناك تكامل بينهما، مشيرا الى انه اذا كان النظر فى المناهج وما ابدعته العقلية الاسلامية فيها يجعلنا نعود الى الماضى وهو ماض عريق جدير بالفخر والاعتزاز لكنه لا يكفى وحده للمعاصرة واقامة النهضة، ولابد من اقترانه بالنظر العميق فى العصر الذى نعيش فيه وهو عصر العلم والتقنية الذى يشهد تطورا وثورة معرفية هائلة لم تعرف البشرية لها مثيلا من قبل.
التأثيرات المادية واضاف ان هذا التقدم والاكتشافات الجديدة والتراكمات المعرفية ادت الى اعادة النظر فى بعض ما كان من المسلمات، واثارت تساؤلات حول نظرة الانسان الى الكون والى نفسه والى منظومة القيم الاخلاقية والانماط المعرفية التقليدية التى ازاحتها عن مكانتها انماط جديدة مسلحة بقوى ووسائل مادية اكثر حداثة واقوى تأثيرا، مؤكدا ان هذه الاكتشافات ادت ايضا الى اعادة الاعتبار لبعض الآراء القديمة التى قال بها فلاسفة ومفكرون دينيون قدامى، كما مس هذا التطور العلمى منظومة القيم السائدة واكد ضرورة العناية من جديد بأخلاقيات البحث العلمى وما ينبغى ان يلتزم به العلم من حرص على حياة الانسان وكرامته ومن حفاظ على لموارد المتاحة فى الطبيعة وحماية الانسان وبيئته من مخاطر الاستخدام السيئ لمنجزات العلم وتطوراته الهائلة. ومن جانب أكد الدكتور عبد الحميد سعودان مدير المعهد العالمى للفكر الاسلامى ان الامة الاسلامية تحتاج الى جهد جاد لانقاذها من اجل الانسانية، وليس من اجل المسلمين وحدهم محذرا من ان العلم بقدر ما يعطى من الخير والرفاهية وبقدر ما يقدم من منجزات واكتشافات فانه يعطى ايضا الشر فقد ساهم فى تدمير وتلوث البيئة ويكفى ما اخترعه العلم من اسلحة ذرية وكيماوية وبيولوجية بجانب الهندسة الوراثية، بالاضافة الى انطلاق الحضارة الغربية على اساس مفهوم مادى بحت مما ادى الى انتاجها توجهات عنصرية. وقال أن ما يحدث الان فى العالم الاسلامى من عناء ومعانات يشير الى ان الانسانية فى حاجة لاستنقاذ، موضحا أننا إذا اخلصنا للاسلام فانه يحقق لنا هذا الانقاذ لكن اذا لم يكن فى ضمائر العلماء ووعيهم المحافظة على نظام الكون والتعامل معه وفق طبيعته وعدم العبث به سيؤدى هذا الى تدميره. وأوضح د عبد الحميد سعودان أن الاسلام وحده هو الذي ينبنى على وحدة الخلق، وبالتالي وحدة الكون وان له غاية، مطالبا بضرورة استعادة الرؤية الكونية للقرآن الكريم والعودة الى تاريخنا وإلى القرآن الذي يعطي الرؤية الحضارية الكونية لان الرؤية القرآنية المبنية على التوحيد تحترم الطبيعة وترفض تدميرها. وأشار إلى أن الاسلام يؤمن بمبدأ التكامل بين الرجل والمرأة، في حين يبني الغرب حضارته على مثلية الرجل والمرأة، وهذا يؤدي إلى التدمير. أستاذة الدّراسات الإسلامية: الأفكار الخاطئة عن الإسلام تكمن في المفاهيم المغلوطة عنه دعت الدكتورة ستالا فان دي ويترنج أستاذة الدراسات الإسلامية في الجامعة الحرة بأمستردام المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، وعلى رأسها الأزهر ورابطة العالم الإسلامي بتكثيف الجهود الدعوية في التعريف بالإسلام الصحيح وتعاليمه السمحة التي تؤكد على مبدأ ترسيخ مفهوم الأخوة الإسلامية والتسامح وتعزيز العلاقات بين الشعوب ونبذ التعصب. وأوضحت ستالا، أنّ هناك مفاهيم مغلوطة عن الإسلام لدى كثير من قادة الفكر والثقافة الأوروبية روج لها المستشرقون، الذين ساهموا في صياغة معظم المناهج الدراسية التي تدرس في المدارس والجامعات عن الإسلام والمسلمين، في شكل يوحي بأن الإسلام دين يحث أتباعه على العنف والإرهاب. وأضافت الدكتورة ستالا فان دي ويترنج: إن هذه الصورة المشوهة التي أسهمت في نشرها الميديا مهدت لوجود ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تنتشر في كثير من بلدان أوروبا كرد فعل لما بثته الثقافة المشوهة في الذهنية الغربية عن الإسلام والمسلمين. وتطرق الحديث كذلك إلى وضع المسلمين في هولندا.