أثار الخبير محمد الشريف إيلمان، أستاذ بالمدرسة العليا للتجارة، تحديات التخفيف من تنامي فاتورة الواردات على المستويين القريب والمتوسط في ظل الانهيار المفاجئ لأسعار النفط، وتقلص الموارد المالية بصورة تنذر بضرورة اتخاذ إجراءات استعجالية فعالة، مقترحا في البداية محاولة ضبط وكبح المستوى القياسي الذي قفزت إليه نفقات الواردات، وفي ظل وجود جزء كبير من الواردات موجه للقطاع الصناعي والاستثمار حيث لا يمكن الاستغناء عنه، ودافع عن خياراته التي تصب في إطار محاولة التخفيف من حاجيات الواردات بالإنتاج المحلي، والاستغناء التدريجي عن الواردات الاستهلاكية. من أكبر المخاوف التي تهدد الآلة الإنتاجية وجهود الرفع من نسب النمو الاستمرار في الاعتماد على الواردات التي مازالت فاتورتها تتضخم بشكل لا يتوازن مع الرهانات المستقبلية، على اعتبار أن مؤشرات قانون المالية لعام 2015 تؤكد على استمرار تسجيل ارتفاع جديد في نسبة الواردات لا يقل عن حدود 4.54 بالمائة، علما أن إجمالي الواردات الجزائرية تجاوز 54 مليار دولار، بينما إجمالي الواردات عندما تدمج فيه الخدمات يصل إلى حدود قياسية تناهز 65 مليار دولار. ومن بين المقترحات التي يرى الخبير إيلمان أنها ضرورية، وتتطلب تجسيدا عاجلا ضبط هذه الواردات حتى لا تستمر في منحى تصاعدي. ولم يخف الدكتور إيلمان أستاذ المدرسة العليا للتجارة أنّ جزءًا معتبرا من هذه الواردات موجّه للقطاع الصناعي، في ظل وجود برامج استثمارية وطنية ضخمة تحتاج إلى واردات خاصة من المواد التي تدخل في التصنيع، ولأن انقطاع هذه الواردات يعني توقف وتيرة الاستثمار، لذا يجب في ظل عدم القدرة على التقليل من الاستثمار اللجوء إلى وضع سياسة تحافظ على وتيرة التصنيع والاستثمار، من خلال تعويض هذه الواردات بشكل تدريجي من خلال إرساء إنتاج محلي قوي وكثيف، علما أنّ السنة الجارية تعد بداية تجسيد المخطط الخماسي التنموي الذي يعطي الأولوية لرفع تنافسية الإنتاج الوطني، وتنويع الاقتصاد خارج المحروقات، في ظل وفرة التحفيزات والامتيازات لفائدة الاستثمار المنتج وكذا المصنعين الحقيقيين. ويذكر في ذات المقام أنّه من المقرر أن تستفيد نحو 11 شعبة إنتاج عبر كامل التراب الوطني من دعم مالي ضخم مباشر وغير مباشر يتمثل في الإعفاءات الجبائية طبقا لما أقره قانون المالية 2015. التّخفيض الإداري ليس حلاّ ومن أبرز ما يتطلبه رهان كبح الواردات، أوضح الخبير إيلمان أنه ينبغي التفكير الجدي والسريع في ترقية الصادرات وتنويعها، وتسهيلها على المهنيين والمحترفين للخروج من دائرة طغيان فاتورة الواردات وضعف فادح في مداخيل الصادرات خارج المحروقات من العملة الصعبة. ولم يخف الدكتور أنه يمكن خفض الواردات بشكل إداري، وهذا حسبه ليس حلا كونه يفضي إلى العودة إلى رخص الاستيراد، واصفا هذا النظام بالميت والذي يستحيل العودة إليه، على اعتبار أنها ليست حلولا مفيدة وإنما طبقت لما كان حجم الصادرات في مستوى 5 ملايير دولار وليس في سقف يتجاوز ال 60 مليار دولار. ويعتقد أستاذ المدرسة العليا للتجارة أن هناك بعض الواردات يمكن تقليصها والتخلي عنها دون أن تؤثر، كونها متوفرة ويمكن مضاعفة إنتاجها بنوعية أحسن على غرار الاستهلاكية منها، متعجّبا من استيراد التفاح والثوم والبصل، وما إلى غير ذلك. وحذّر من الغرق في الواردات في ظل الانفتاح على الخارج، مشدّدا على ضرورة التفكير والعمل حتى نصل إلى خلق النشاطات التي تسمح بانتاج السلع وتوفر الخدمات التي تحرر من موارد الطاقة النفطية. وذكر في سياق متّصل حاجة وتطلع الجزائر في الوقت الراهن إلى تكثيف الانتاج والشروع الجدي في تقليل الاستيراد، والذي يبدأ على سبيل المثال من القمح بعد إرساء البديل المحلي، في ظل وجود فاتورة معتبرة يمكن الاستغناء عنها رغم أن النسبة لا تتعدى ال 4 بالمائة، لكنه في ظل التقليص الإجمالي ترشيدا حقيقيا لمواردنا المالية، وحتى يتم تشجيع الإنتاج المحلي، حتى نستهلك ما ننتج ونتوجه نحو التصدير بثقة ومنتوج منافس في الجودة والسعر. للجزائر خيارات متعدّدة يتوقّع الخبير إيلمان أن تنجح الجزائر في كبح نفقات وارداتها إذا طبقت خطة محكمة، وتبنّت سياسة ترشيد النفقات وضبط الواردات في ظل وفرة الحلول وتعدد الخيارات المتاحة، علما أنّ الارادة السياسية قائمة، على اعتبار أنه مع بداية تراجع أسعار النفط كان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد شدّد على ضرورة ترشيد النفقات، وألحّ على تخفيض الواردات وأمر بتعزيز الرقابة على صعيد تمويل التجارة الخارجية من خلال تخفيض سقف الواردات، وتقليل تدفق المنتوج الغذائي الذي ينتج بالجزائر، لكنه لا يستغنى في كل ذلك عن المنتجات التي يحتاجها القطاع الصناعي. ورغم تراجع أسعار النفط منذ شهر جوان الفارط إلا أن الجزائر اتخذت كل احتياطاتها، ولن تتخلى عن برامجها التنموية الخماسية، وتواصل الإصرار على تجسيد مشاريع تنموية جديدة، من خلال منح الأولوية في الانجاز للمؤسسة الجزائرية بهدف إشراكها في معركة التنمية والإقلاع الاقتصادي.