يسير الاقتصاد الجزائري نحو تحقيق قفزة نوعية من خلال جرأته في تقليص قيمة الواردات التي استنزفت في السنوات الأخيرة الكثير من الموال دون أن تحدث القفزة المنتظرة من الاقتصاد الوطني الذي لم يتمكن من بناء قاعدة صناعية خارج المحروقات التي لم تنزل نسبة مساهمتها في 97 بالمائة منذ سنوات طوال. وأصبحت الجزائر في ظل عدم قدرتها على بناء اقتصاد خارج المحروقات تبحث عن ترشيد النفقات وعقلنتها من خلال وضع قيود صارمة على الاستيراد الذي أصبح هاجسا مخيفا لخزينة الدولة، حيث تطور بشكل غريب جيدا، فمن 13 مليار دولار سنة 2004 وصلت الفاتورة السنة المنصرمة إلى 40 مليار دولار، وهو ما جعل السلطات تدق ناقوس الخطر واتخذت عدة إجراءات للحد من تطور هذا الأخطبوط الذي بات يهدد الميزان التجاري بالعجز حيث عرف الميزان التجاري الجزائري في بداية منتصف السنة الجارية فائضا بمليار دولار وهي القيمة التي تعتبر الأضعف منذ سنوات طوال، فحتى عند تسديد المديونية الخارجية لم تنزل مؤشرات الاقتصاد الكلي إلى ما وصلت إليه هذه السنة. وأيقنت الدولة أن المشكل ليس في ضعف الاقتصاد الوطني بقدر ما هي مؤامرات ضد بلادنا، فالمستوردين بقدر ما ساهموا في إغراق السوق الوطنية بالمنتجات والسلع المستوردة المغشوشة تحايلوا في العديد من المرات لتهريب العملة الصعبة للخارج من خلال عمليات معقدة جدا كانت وراء قرارات الدولة ضبط التجارة الخارجية والاستيراد وبقدر ما أحدثت تلك القرارات ردود فعل عنيفة من أصحاب المصالح الضيقة أظهرت تلك الإجراءات تقلص الواردات بشكل مهم، حيث قد تصل إلى 8 ملايير دولار وما سيزيد من تقليص حجم الواردات هو الموسم الفلاحي الناجح الذي مكّن من جني أكثر من 6 ملايين طن من القمح وانتاج معتبر من مختلف المواد الغذائية، ومن التحفيزات أيضا للنهوض بالاقتصاد الوطني هو تقليص العدد الكبير من قائمة الأدوية التي كانت تستورد من الخارج لتشجيع الاستثمار المحلي، حيث كان دفتر الشروط للمستوردين ينص على ضرورة الإنتاج المحلي بعد 3 سنوات من الاستيراد، وهو ما من شأنه خفض فاتورة الأدوية إلى أقل من 8,1 مليار دولار. ومن الملفات كذلك التي ستقلص فاتورة الاستيراد هي تراجع صادرات السيارات نحو الجزائر، حيث وحسب تصريح وكلاء السيارات فات قيمة الصادرات نحو بلادنا، وقد تراجعت بأكثر من 30 بالمائة بعد دخول الإجراءات الجديدة لقانون المالية التكميلي حيز التطبيق في أوت الماضي. وتسعى الجزائر من خلال التخفيضات المعتبرة في الضرائب إلى تشجيع الاستثمار المنتج وخلق الثروة لتدارك التأخر في الإنتاج الوطني الخاص بالمواد الغذائية والمواد الأساسية التي نستورد منها كميات معتبرة تتجاوز ملايير الدولارات. وفي انتظار تنظيم التجارة الخارجية أكثر وتشجيع الاستيراد من خلال مطابقة الإنتاج الوطني مع المقاييس العالمية ورفع القيود عن الاستيراد والبحث عن الأسواق التي تناسبنا، يبقى الاقتصاد الوطني يعاني من عقدة المحروقات التي تلازمه منذ سنوات طوال، وما يبعث على الارتياح مؤخرا هو التفكير في ترشيد النفقات في ظل العجز عن بناء الاقتصاد وهو ما نجحت فيه دول الخليج.