بدأ خلال السنوات القليلة الماضية الاهتمام المحسوس بالباحثين، وأفضت النقاشات المفتوحة من طرف الخبراء إلى توصيات، تلّح على ضرورة وضع البحوث العلمية والابتكارات التكنولوجية في قلب المعركة التنموية، وتبوأ الكفاءات مناصبها المناسبة، وتم الشروع في التفكير من أجل نقل نتائج المخابر إلى يد الآلة الإنتاجية من أجل تطويرها ورفع تنافسية منتجاتها وحوكمة تسييرها، ومازالت الخطوات المقطوعة في بدايتها بالنظر إلى حجم احتياجات الجزائريين التي تُغنيهم عن المنتجات المستوردة وكذلك اتساع السوق الوطنية. وأمام ضعف عرض التجارب النموذجية تواجه حتمية إلزامية إرساء شراكة بين الباحث والآلة الإنتاجية. يبدو أنه لا توجد حلول من أجل ترقية المؤسسة الاقتصادية خاصة الصناعية، بعيدا عن اللّجوء إلى كفاءة البحث العلمي، بهدف تطوير المنتوج الجزائري، ولعلّ الخطوة الأولى لإحداث التقارب بين الجامعة والمؤسسة الإنتاجية يجب أن تبدأ بتعليمة تلزم إرساء مثل هذه الشراكات الواعدة، لأنه لا يمكن لمؤسسة أن تصمد في وجه المنافسة الاقتصادية الخارجية الشرسة بالتسيير والتقنيات التقليدية، بل يجب أن نجد حلولا لبطء وتيرة نمو المؤسسات بخبرة الجزائريين، وحان الوقت لتغيير ذهنية أن نلجأ إلى استيراد كل شيء حتى طرق التسيير أو تسطير الإستراتجية التي تتبعها المؤسسة لتحقق النجاعة المطلوبة والتي عادة ما تستورد. ولعلّ السهر على إطلاق شراكات بين مراكز البحث الجامعية، ومؤسسات اقتصادية واجتماعية عمومية وخاصة من شأنه أن ينعكس على صعيد تقوية الاقتصاد الوطني والتحضير بشكل جدي لمرحلة ما بعد البترول، وللأسف لا توجد إحصائيات ولا حتى أرقام عن حجم الشراكات التي أقيمت لحد الآن بين الجامعة والمؤسسة الاقتصادية، وحتى وإن سجلت تجارب نموذجية ناجحة لم يعلن عنها ولم يرّوج لها بهدف التعميم وتوسيع نطاقها وحتى تكون شاهدا حيا، لما وصلت إليه المؤسسة عقب استنجادها بمخابر البحث العلمي. ويبدو غريبا أن المؤسسة الاقتصادية مازالت بعيدة عن قلب التكنولوجيا كونها لا تفكر من تلقاء نفسها بالبحث عن طرق تطوير أدائها، على اعتبار أن مراكز البحث تمول من طرف الدولة من خلال الصندوق الوطني للبحث، ودون شك الاستعانة بخبرة المبتكر لن يكلفها الكثير بل إنه يمكن من خلال الاستثمار في أي ابتكار أن يدر عليها الأرباح ويطوّر المؤسسة ويدفعها إلى التصدير في أسواق خارجية وقبل ذلك اكتساح منتجاتها السوق الوطنية. ومن القطاعات التي صارت تعتمد كثيرا على مخابر البحث وتهتم بالباحثين، نذكر قطاع الطاقات المتجددة فنجد لدى مركز تطوير الطاقات المتجددة الذي تعزز بنحو 3000 باحث إرادة تحديث وتطوير التطبيقات المرتبطة بالبرنامج، وما تجدر إليه الإشارة فإنه نحو 10 تخصصات يتضمنها هذا البرنامج، نذكر منها الحقول الطاقوية والطاقة الشمسية وتطبيقاتها الحرارية والديناميكية الحرارية والضوئية وحرارة الأرض الجوفية وطاقة الرياح والكتلة الأحيائية و المواد الشمسية و الري و تكنولوجيات الاعلام و الاتصال و الطاقات الجديدة والمتجددة، إلى جانب البيئة و التنمية المستدامة. وعرف مخطط العمل في مجال البحث و التنمية بهدف مرافقة تجسيد برنامج الطاقات المتجددة تمديدا على مدى عقدين كاملين.وبالنظر إلى طاقات البحث التي تزخر بها الجزائر، مازالت الثروة البشرية المؤهلة لم تستغل بالشكل المطلوب لتحقيق قفزة الإقلاع الاقتصادي، في ظل تسجيل ما لا يقل عن 28 ألف أستاذ باحث و2315 باحث دائم يسهرون على تجسيد البرامج الوطنية للبحث العلمي في عدة قطاعات نذكر منها الفلاحة والصحة وتربية المائيات والطاقات المتجددة. وتؤكد الأرقام المتوفرة حاليا أنه خلال عشرية واحدة قفزت الجزائر من 41 إلى 170 براءة اختراع في مجال العلوم والتكنولوجيا على وجه الخصوص. علما أن براءتا اختراع دخلتا إلى مرحلة الاستغلال الصناعي ويشمل الأمر كل من مجال الليزر وتسيير النفايات، في حين توجد 35 براءة اختراع في مرحلة المحضنة من طرف الوكالة الوطنية لتثمين البحث والتنمية التكنولوجية لاستحداث مؤسسات صغيرة ومتوسطة.