كانت جامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو قد أعلنتا في العام الماضي أن مدينة القدس هي عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 . فما هي الأهداف الإستراتيجية لهذه المبادرة؟ وكيف وأين ستجري الفعاليات التي تقام بهذه المناسبة ؟ من المعروف انه في كلَ عام، وبمبادرة من اليونسكو، يُعلن عن مدينة ما في العالم العربي عاصمة للثقافة العربية. وذلك بناءً على مقترح تتقدم به جامعة الدول العربية . وقد دأبت اليونسكو على منح لقب ، عاصمة الثقافة العربية ، منذ عام 1996 . وفازت بهذا اللقب حتى الآن كلٌّ من القاهرة وتونس والشارقة وبيروت والرياض والكويت وعَمان والرباط وصنعاء والخرطوم ومسقط والجزائر ودمشق. وفي عام 2009 انتقل هذا اللقب الفخري إلى القدس. فهي ستكون عاصمة الثقافة العربية. وفي الوقت الحاضر تعمل اللجنة التنظيمية الفلسطينية المكلفة بتحضير الفعاليات الثقافية المتنوعة في إطار الاحتفال بتكريم القدس كعاصمة للثقافة العربية في رام الله وليس في مدينة القدس الشريف . والسبب أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تعارض أية فعاليات فلسطينية وعربية في المدينة المقدسة. ورغم ذلك تستمر في الأقطار العربية الشقيقة ، فضلا عن فلسطين نفسها، أعمال التحضير لفعاليات ثقافية كثيرة من معارض وصور ومهرجانات وحفلات وعروض سينمائية ومؤتمرات مكرسة للقدس بوصفها عاصمة الثقافة العربية. وكان وزراء الثقافة العرب قد وافقوا علي طلب ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في العام الماضي بأن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية لهذا العام ، جاء ذلك خلال الدورة الخامسة عشر لمؤتمر وزراء الثقافة الذي انعقد في مدينة مسقط بسلطنة عمان . ونظرا لما تعانيه دولة فلسطين من حصار ، وتعانيه مدينة القدس من حملات صهيونية خبيثة لتهويدها ومحو تاريخها العربي الإسلامي طالبت السلطة الفلسطينية أن تتقاسم الدول العربية الشقيقة فعاليات ونشاطات الاحتفاء بالقدس ، وتقام في الأقطار العربية جميعا كما في الأراضي الفلسطينية ، وأن يتم الاحتفاء بها خارج المنطقة العربية أيضا وذلك تأكيدا علي عروبة القدس. وقرر المؤتمر إصدار كتاب حول موقع . مدينة القدس وأسوارها . المسجل علي قائمة التراث العالمي ، والتراث العالمي المهدد بالخطر باللغات العالمية ، وتوزيعه علي نطاق واسع .وتقدم المؤتمر بطلب لمنظمة اليونسكو طالبوا فيه برفض إدراج إسرائيل ،موقع القدس، على قائمتها لما في ذلك من تعارض مع قرارات الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي التي تقر بأن القدس أرض محتلة ، وان في ذلك مخالفة لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية التراث العالمي التي أقرها المؤتمر العام لليونسكو عام 1972 . وفي هذا الإطار شدد المؤتمر على أن تهتم العواصم العربية بالتغطية الإعلامية اللازمة في هذا الشأن والتنسيق فيما بينها من اجل تفعيل الدور الإعلامي والثقافي اللازم للتعريف بالحقوق العربية والثقافية مستخدمة في ذلك كافة الوسائط الإعلامية المقرؤة والمسموعة والمرئية . وقد شرعت الأمانة العامة للجامعة العربية بتفعيل لأجهزة الجامعة، ومنظماتها المعنية الإعلامية تمشيا مع إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 . وتنفيذًا لقرار ووراء الإعلام العرب، بحضور ممثلون عن اتحاد إذاعات الدول العربية، والمؤسسة العربية للاتصالات الفضائية عربسات، ونايل سات والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم . وكان الرئيس الفلسطيني أبو مازن قد كلف الدكتورة حنان عشراوي برئاسة اللجنة الوطنية الفلسطينية للتحضير لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 . إن قضية القدس هي القضية الأساسية والمحورية ، وقد آن أن نعمل جميعا مؤسسات وفعاليات مهتمة بالقدس، من أجل عدم ترك المدينة المقدسة تحت الاحتلال والحصار المضاعف والمستمر، من الجدار والمستوطنات والحواجز والعزل والتعسف . ويجب العمل على محاربة وفضح التهويد ومصادرة الثقافة العربية ، وتفعيل دورنا بشكل يرتقي إلى هذا التحدي . إن التحديات ستكون كبيرة جدا. ويبقى السؤال إلى أي مدى نستطيع إحياء الروح الثقافية في القدسالمحتلة ، وفي ظروف تعرضها للتهويد، وإلغاء الثقافة العربية والإسلامية فيها، إن ما يحدث ليس فقط احتلال ارض ولكن أيضا تغييب الهوية الوطنية . إننا كأمة نحتاج إلى قتال ثقافي وسياسي وفكري، فالأرض يمكن أن تحتل ولكن الثقافة الوطنية إذا اندثرت من الصعب إعادتها من جديد . ومن هنا ، تأتي أهمية إنجاح التظاهرة الإعلامية والثقافية وبما يليق بمكانة القدس . وبالضرورة يجب أن يكون العنوان الأساسي للتظاهرة هو الهوية الوطنية والعربية والإسلامية لمدينة القدس . ففي السنوات الماضية تم تغييب قضية القدس، فقد انشغل الجميع بصراعات داخلية، وهذا أعطى فرصة لإسرائيل لتفعل ما تريد. لقد آن الأوان لنعيد للقدس مكانتها، وهي التي كانت تاريخيا مصدر إشعاع حضاري وفكري، للمسلمين والمسيحيين، وحتى اليهود، وهذه فرصة لرد الاعتبار لها . أن هذه التظاهرة، قد تكون مناسبة للشعوب العربية التواقة لفعل شيء لفلسطين بعيدا عن السياسة، الثقافة عنوان لتوحيد الجهود للعمل من اجل القدس، السياسة قد تفرق، ولكن يمكن للثقافة أن توحد، ويمكن للثقافة أن تصلح أخطاء السياسة. وإذا كان للعرب والفلسطينيين أن يختلفوا حول البرامج السياسية، فأنهم لن يختلفوا حول القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين . الفلسطينيون يستعدون للاحتفال بالقدس عاصمتهم ، عاصمة للثقافة العربية الإسلامية ، يتمنون ويأملون، يعملون ويفكرون ، في ظل واقع فلسطيني صعب ، بينما القدس عاصمتهم ، على ارض الواقع خارج سيادتهم وتخضع لثقافة غير ثقافتهم . القدس، التي اتخذتها إسرائيل عاصمة ، موحدة وأبدية لها ، بجب أن تبقى منسجمة مع تاريخها العربي الإسلامي ، ويجب أن تعود .