للمحدثين رحمهم الله ورضي عنهم منهج رصين ورصيد ثري وإسهام قوي في إجلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقير مجلس الحديث، والتحفز لاستباق العمل به، تعظيماً وإجلالا له، وهذه بعض الشواهد الرائعة والماتعة من تلك الوقائع؛ حيث حدّث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فكان مما قال: وما سمعته قط يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، فنظرت إليه وقد حل إزاره وانتفخت أوداجه، واغرورقت عيناه، وقال ضرار بن مُرة: كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على غير وضوء. وقال إسحاق: رأيت الأعمش إذا أراد أن يتحدث وهو على غير وضوء تيمم. وكان مالك بن أنس يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويأخذ زينته للتحديث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن أبي الزناد: كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول: أقعدوني؛ فإني أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع. ومرّ مالك بن أنس على أبي حازم وهو يحدث بحديث رسول الله فجازه، وقال: إني لم أجد موضعاً أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم. وكان محمد بن سيرين يتحدث فيضحك وكان معروفا بفكاهته، لكن إذا جاء الحديث خشع. وقال سعيد بن عامر: كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا فقال له هشام الدستوائي: تضحك وأنت تطلب الحديث؟! فأنكر عليه. ونحن اليوم الكثير منا يتحدث عن النبي أو يذكر حديثه لكنه كأنه يتحدث عن لاعب أو يروي قصة فلم شاهده لما يُرى من خلط حديث النبي بالهزل والمزاح، وربما جاء حديث النبي في الجدال والمراء كأن حديث رسول الله لا يصلح إلا لذلك، فمتى نرجع إلى مثل هذا التوقير والتقدير لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى.