تحت وابل من التصفيق والزغاريد، انتهى حفل “وشوشة المشرق” الذي نشطه رباعي الجاز المختلط، البلجيكي مانويل هيرميا، والجزائريين خير الدين مكاشيش، عز الدين قندور، ونزيم زياد. انتهت هذه السهرة التي احتضنتها أمس الأول قاعة ابن خلدون، في إطار المهرجان الثقافي الأوروبي، ولكنها قد تكون انطلاقة لمشروع موسيقي واعد، ومثالا يقتدى به، يثبت غنى الموسيقى الجزائرية وتلاؤمها مع أذواق العالم أجمع. كانت البداية مع معزوفة جميلة عنوانها “كنزة”، وهو اسم ابنة العازف البلجيكي مانويل، لتتبع بمقطوعات “بهجة”، “سيكل”، “جزائرية مغاربية”، والمقطوعة الرائعة “رائحة الصحراء”، ثم “جسر” التي وصفها مانويل بدرّة الحفل، قبل أن يودع الرباعي جمهوره بمقطوعة كتبها الموسيقيون معا عنوانها “اللقاء”، وجاءت بنفحات من موسيقى التيندي. “زيارة للجزائر ذات رمزية كبيرة” مانويل هيرميا عازف ساكسوفون وناي بلجيكي، التقينا به في الكواليس قبيْل انطلاقة السهرة، واعتبر بأن هذه الزيارة الأولى للجزائر تعني له الكثير من الجانب الرمزي لأن زوجته من أصول جزائرية، وابنته الصغيرة هي بذلك نصف جزائرية. وأضاف بأنه يهتم كثيرا بالموسيقى العالمية وخصوصا الهندية والعربية، “لذلك طلبت أن ألتقي الجزائري خير الدين مكاشيش الذي تعرف على بعض أعماله بفضل أنترنت” يقول مانويل. وبغض النظر عن أنواع الموسيقى وأصولها، لا يعتقد مانويل بالحدود والاختلافات، بل يؤمن بأنه “لا توجد سوى موسيقى واحدة، كما لا يوجد سوى إنسان واحد”. لذا فهو لا يحبذ كثيرا الصفة التي ألصقت به على أنه “مستكشف موسيقي”، “هي صفة أطلقتها عليه الصحافة، لا غير” يقول مانويل، “ولكن إن كان يجب أن تلصق بي صفة ما فأفضل أن تكون هذه”. وأشاد مانويل بخير الدين مكاشيش، القادم من الموسيقى العربية الأندلسية ولكن له آفاقا موسيقية أوسع. كما رافع من أجل موسيقى الجاز واعتبر بأن لديها القدرة على “أن تهضم كل ما يقدم لها لتأكله.. ويكفي أن نقدم لها شيئا جيدا للأكل” في كناية عن غياب الحدود في هذا النوع الموسيقي العالمي. كما قدم الموسيقي البلجيكي ماستر كلاس (حصة تدريبية) بكونسرفاتوار الجزائر أمس الأربعاء حيث التقى بطلبة الموسيقى. “مشروعنا جيد ونأمل أن يستمر” خير الدين مكاشيش، عازف كمان ومؤلف موسيقى جزائري، أجاب عن سؤالنا بخصوص الاستمرار في هذه التجربة الموسيقية بالقول إن ذلك يعتمد على الظروف، “ليست هذه أول تجربة من هذا النوع بالنسبة لي، إذ سبقتها تجربتان مماثلتان مع السفارة الهولندية، ونفس الأمر بالنسبة لفنانين آخرين منهم محمد روان، والملاحظ أن هذه التجارب في إطار المهرجان الأوروبي ناجحة إلى حد الآن، حتى أني دعيت إلى مهرجان بهولندا وأحييت حفلا هناك”.. وعن ظروف تحضير سهرة ابن خلدون يقول: “لم نلتق سوى أمس (عشية الحفل) وكنا على اتصال عن طريق أنترنت، وكل المعزوفات اليوم هي من تأليفنا الخاص وهو ما صعّب المهمة، إذ اشتغلنا أكثر من 9 ساعات أمس، ويبدو أنه مشروع جيد وسيكون من المؤسف لو يتوقف عند هذا الحد”. وعقّب مانويل هيرميا بالقول:”أنا أوافق خير الدين في هذه النقطة، كما أنني أفضّل هذا النوع من اللقاءات على القدوم بفرقة كاملة وإحياء حفل ثم العودة”. “أين فرق الجاز الجزائرية؟” من جهته أكد نزيم زياد ضابط الإيقاع، أن توجهه الموسيقي موهبة وليس خيارا: “يبدو أن الإيقاع موجود في جيناتنا العائلية، فجدتي كانت تعزف على البندير في الأعراس”، يقول الأخ الأصغر لعازف الإيقاع الشهير كريم زياد. وعن رأيه في الجاز الجزائري يقول: “التعاون الحاصل في هذا المجال جيد جدا، ولكن الجاز في الجزائر غير موجود، بدليل أنه لا توجد فرق جاز جزائرية”.. ويضيف: “هنالك موسيقيون جيدون، ومحبون للجاز وعارفون به، ولكنني لم أر فرق جاز إلى اليوم.. مهرجان ديما جاز يقدّم دمجا بين موسيقيين جزائريين وأجانب، لا أكثر، ولكن أين نوادي الجاز الجزائرية؟”.. “الأرضية الموسيقية متوفرة في الجزائر، والموسيقي الجزائري يتحدث لغات كثيرة وبإمكانه أن يعزف أي إيقاع في العالم”، يؤكد نزيم، الذي اقترح أن يتم خلق تخصص في الجاز سواء في الكونسرفاتوار أو في معاهد تعليم الموسيقى.. كما دعا إلى إخراج هذه الموسيقى من العاصمة والمدن الكبرى إلى الجزائر العميقة.