التضامن يطبع يوميات عيد الأضحى ودعوات لحماية المرأة من الظلم والتعسف بالرغم من تفاقم الهموم والأحزان التي أجبرتهن على الإقامة هناك لفترات متباينة، إلا أنّ نزيلات المركز الوطني لاستقبال النساء والفتيات ضحايا العنف ومن هن في وضع صعب ببوسماعيل، عشن فترات جميلة ولحظات مليئة بالسرور والغبطة طيلة يومي العيد، بالنظر إلى ظروف الإقامة اللائقة التي سهرت إدارة المركز على توفيرها، بدعم مباشر من عدّة هيئات عمومية والتي وقفت جريدة “الشعب” على جزء هام منها. عقب صلاة العيد مباشرة، لم يتأخر المكلفون بالنحر عن اللحاق بالمركز لغرض مباشرة عملية نحر 6 أضاحي كاملة كان المركز قد اقتنى واحدة منها من ميزانيته الخاصة، في إطار دعم التكفل الشامل بالمقيمات هناك، فيما تمّ التبرّع بالثانية من والي الولاية الذي يكنّ للمقيمات بالمركز قدرا كبيرا من التضامن والرأفة لحالهن، وحصل المركز أيضا على 4 كباش أخرى من وزارة التضامن الوطني ومراكز دالي براهيم وسيدي موسى وباب الزوار التابعة للوزارة الوصية، بحيث تمّ نحر 6 كباش صبيحة العيد، في حين تمّ الاحتفاظ بالكبش السابع لمناسبة عاشوراء التي يفصلنا عنها شهر واحد فقط. ما يلفت الانتباه في هذا الزخم كله، مساهمة بعض النزيلات بالمركز في عملية السلخ التي يتكفل بها الرجال عادة، في حين تكفلت نزيلات أخريات بعملية التنظيف وتحضير المأكولات الشهية بمعية القائمات على المطبخ وفقا للتقاليد المعروفة في المجتمع الجزائري. وأشارت مديرة المركز إلى توافق النزيلات والموظفين على استهلاك الأحشاء المقلية في اليوم الأول من العيد، مع تناول “الزليف” في العشاء. فيما تمّت برمجة تناول العصبان وكمية من اللحوم خلال اليوم الثاني، على أن يتم التفرّغ للشواء خلال اليوم الثالث من العيد. مع الإشارة إلى مشاركة النزيلات في مختلف مراحل إعداد الوجبات خلال يومي العيد، على أن يتكفل القائمون على المطبخ في باقي الأيام بهذه العملية، في بادرة تهدف بالدرجة الأولى إلى إضفاء قدر كبير من الأجواء العائلية على الحياة داخل المركز. غير أنّ باقي أيام السنة لا تختلف هي الأخرى عن أيام العيد من حيث توفير الأجواء الملائمة لإقامة النزيلات، بحيث يبرز ذلك جليا في توفير فرص للتكوين داخل أسوار المركز للواتي تجاوزن سن 35، في حين يتم تسجيل الفتيات الأخريات بمختلف مراكز التكوين المجاورة لغرض تمكينهن من الظفر بحرفة تمكنهن من كسب معركة الحياة الشاقة، مع توفير مجمل الظروف المواتية لمواصلة الدراسة للفتيات اللواتي بوسعهن فعل ذلك ومن بينهن من حصلن على شهادة الليسانس من داخل أسوار المركز، الذي عوّض بيت الأبوة لأسباب قاهرة. ويسهر القائمون على المركز أيضا، على توفير مناصب شغل محترمة للقادرات على العمل والسعي لدى مختلف أجهزة الدعم التي توفرها الدولة، لتمكين بعضهن من إنشاء مؤسسات مصغرة، على غرار 5 فتيات تمّت مرافقتهن مؤخرا مع جهاز القرض المصغر وبلغت سيرورة ملفاتهن درجة جدّ متقدمة. كما يوفّر المركز أيضا عدّة أوجه من النشاطات المكملة، كالرياضة والرحلات الترفيهية والسياحية والثقافية وغيرها من أوجه التأقلم العفوي مع المواعيد الدينية والثقافية والتاريخية الهامة. أكثر من 1500 امرأة مررن بالمركز منذ إنشائه سنة 1998 أكّدت مدير المركز بن غانم حنيفة ل “الشعب”، أنّ ما يربو عن 1500 امرأة من مختلف الأعمار والحالات الاجتماعية، مررن بالمركز لفترات متباينة على مدار 18 سنة خلت، وبالتحديد منذ إنشائه سنة 1998، بحيث كان يستقبل في المرحلة الأولى من إنشائه النساء ضحايا التحرشات الإرهابية الغادرة اللواتي تعرّضن لاغتصاب وحشي من لدن الجماعات الدموية، في بادرة أقرّتها السلطات حينذاك للتقليل من مضاعفات المأساة الوطنية، قبل أن تتوسع مهام المركز لاحقا إلى التكفل بعدّة فئات أخرى من شريحة النساء، لتشمل مختلف حالات العنف الاجتماعي الممارس ضد المرأة بمعية الأمهات العازبات. وتقيم بالمركز حاليا 27 نزيلة من مختلف الأعمار، بينهن 6 نساء تمّت استضافتهن من لدن عائلات محسنين للاحتفال بمناسبة العيد، في حين مكثت 21 حالة أخرى بالمركز طيلة يومي العيد للاحتفال مع العمال والإدارة في أجواء عائلية غير معهودة. خالتي خيرة: تجاوز سنّها القرن ولاتزال تعجّ بالحيوية لا أحد من عامة الناس يمكنه أن يعتقد بأنّ نزيلة المركز خالتي خيرة يتجاوز سنها قرنا من الزمن وأنّها أدركت عامها الأول بعد القرن، بالنظر إلى حفاظها على هندامها وكثرة نشاطها وتحركاتها وتوسلها لدى إدارة المركز لتمكينها من زيارة قبر زوجها الذي غادر الحياة إلى الأبد منذ ثلاث سنوات، فلم تجد كفيلا لها سوى إحدى الجمعيات الخيرية بالقليعة والتي دلّتها على مركز بوسماعيل للإقامة به. وتبدو خالتي خيرة، من خلال ابتسامتها ودردشتها وحركاتها ونكتها وحكاياتها عن الزمن الغادر وعن الوفاء وأوجه الخير أيضا، وكأنّها لم تتأثّر بتاتا بلدغات الحياة القاسية عبر قرن من الزمان ولا تزال تكنّ حبا أبديا لزوجها الذي غادرها ذات يوم بلا استئذان، بحيث ظهر ذلك جليا من خلال إصرارها على زيارة قبره والترحّم عليه صبيحة العيد مباشرة، كوجه من أوجه الوفاء لشريك حياتها الذي قاسمها الويلات واللحظات الحلوة أيضا طوال حياتهما، قبل أن تجد نفسها في وضع صعب لا تحمد عقباه بفعل رحيل الزوج الأبي إلى الحياة الأخروية. الأجواء العائلية لم تمح حسرة البعد عن الأهل من وجوههن أكّدت عدّة نزيلات بالمركز ل “الشعب”، سعادتهن بالأجواء العائلية التي اجتهدت الإدارة في توفيرها لهنّ منذ صبيحة يوم عيد الأضحى، من خلال إشراكهن في مختلف المراحل كسلخ الأضاحي وإعداد الأطباق الشهية، إلا أنّ ملامح الحزن والحسرة الناجمة عن الإحساس بالبعد عن الأهل لم تمحوا بتاتا من وجوه بعضهن، اللواتي أعربن عن شوقهنّ لرؤية أهلهن واحتفالهن معهم، من بينهن “غزلان” من إحدى ولايات الوسط، التي أشارت إلى كونها تحتفل بأول عيد لها بعيدا عن الأهل، إلا أنها تعيش أجواءً عائلية لم تكن تعتقدها من ذي قبل، مشيرة إلى وجود مساع حثيثة للصلح مع الأهل، أفرزت عدّة ملامح للانفراج في الفترة الأخيرة. وأشارت “نعيمة” من إحدى ولايات الوسط أيضا، إلى أنّ الأجواء العائلية القائمة بالمركز لم تمنعها من استذكار أهلها وتمنياتها بالاحتفال معهم، مع الإحساس بالبعد عنهم. كما أكّدت “فاطمة” من الشرق الجزائري، أنّها لا تحسّ بتاتا بكونها خارج البيت، بالنظر إلى توفر أجواء عائلية قائمة داخل أسوار المركز، مشيرة إلى تعودها العيش بعيدا عن الأهل، غير أنّ ذلك لا يمنعها من الأمل في حصول إدماج لها داخل المجتمع قريبا. فيما أعربت “هاجر” من الجنوب الجزائري، عن أملها في تخلي أبيها عن سخطه وغضبه منها والذي يبقى يشكّل حجر عثرة أمام اندماجها مع الأهل، متمنية أن يتمّ إصلاح الأمر قريبا والعودة إلى بيت الزوجية الذي لم يتزعزع بعد، بالرغم من تعسّف الأب تجاهها. تزويج 40 فتاة من المركز منذ سنة 2003 أكّدت مديرة المركز حنيفة بن غانم، أنّه من بين أهم المهام النبيلة التي أنشئ من أجلها المركز، إعادة إدماج النساء اللواتي يلتحقن به بالمجتمع، سواء تعلق الأمر بإجراء عمليات صلح مباشرة مع الأولياء، أو بتمكين النزيلات من بناء حياة جديدة ضمن دواليب المجتمع، بحيث تمكّنت 40 فتاة، على مدار 13 سنة خلت، من بناء علاقات زوجية ناجحة وتمّ تزويجهن جميعهن من المركز، كانت آخرهن حالة واحدة حصلت خلال شهر مارس من السنة الجارية ولايزال الأمل قائما لتزويج فتيات آخريات لاحقا، لاسيما وأنّ الإدارة تبقى حريصة كلّ الحرص على تهذيب وتقويم سلوكات الفتيات، من خلال إلزامهن بالابتعاد عن كلّ ما يجلب لهنّ الشبهات. وقالت مديرة المركز، بهذا الخصوص، إنّها تراقب بصفة شخصية تحركات النزيلات خارج المركز، حينما يتعلق الأمر بالتحاقهن بالعمل أو التكوين أو قضاء حاجات أخرى، بحيث ظهرت تداعيات هذه المتابعة جلية على تصرفات النزيلات على مرّ الزمن، من خلال تراجع عديد الأولياء عن نظرتهم السلبية تجاه بناتهن وحصول عدّة حالات صلح مع الأهل والأباء أو الإخوة على وجه التحديد، بمساهمة مباشرة من بعض دعاة الخير. ومن بين الأمثلة على ذلك، تلك الفتاة التي فرّت من البيت العائلي لأسباب قاهرة، فتمّ الصلح بين الطرفين ورحل عنها أبوها مؤخرا وهو راض عنها. في حين أصبحت هذه الأخيرة أمّا لطفلين وهي تعيش حاليا أسعد أيامها. مع الإشارة إلى كون النزيلات عادة ما يتعرفن على فارس الأحلام أثناء العمل أو التكوين خارج المركز. بن غانم: لابد من تفعيل دور المجتمع في حماية المرأة من التعسّف لم تخف مديرة المركز حنيفة بن غانم، أسفها وامتعاضها الشديدين من التعسّف الذي لحق المرأة ببلادنا وأضرّ بالكثير من حقوقها. وطالبت جميع الأسر بضرورة السهر على حسن تربية الأبناء وفقا لما ينص عليه ديننا الحنيف، دون التفريق بين الذكور والإناث، مع ضرورة التسامح مع الأبناء أثناء الخطإ، لاسيما حينما يتعلق الأمر بالإناث اللواتي لا يجدن ملجأ مريحا لهنّ. مع التأكيد على أنّه لا أحد في هذه الحياة يبقى معصوما من الخطر وأنّ جلّ النساء اللواتي إلتحقن بالمركز إقتنعن بقدرتهن على استدراك الأخطاء الناجمة عن تصرفاتهن التي كانت طائشة أحيانا. ومن ثمّ فقد طالبت مديرة المركز بضرورة سنّ قوانين صارمة تحمي المرأة من التشرّد ومن الفرار خارج بيت الأهل، متمنية أن لا يتم فتح مراكز مماثلة عبر الوطن مستقبلا والاكتفاء بمعالجة العنف ضدّ النساء من خلال القضاء وتدخّل أهل الصلح والخير. في سياق ذي صلة، طالبت مديرة المركز بضرورة وضع خطة واضحة المعالم تعنى بالتكفل الأمثل بالأطفال مجهولي الهوية أو الذين تخلت عنهم أمهاتهم، باعتبار الظاهرة أضحت تستفحل حاليا وأنّ المستقبل يخبّئ في طياته عديد المفاجآت والصدف التي يمكنها أن تجمع ما بين الأخ والأخت في علاقة زوجية عادية، الأمر الذي يحرّمه ديننا الحنيف. وقالت مديرة المركز أيضا، إنّ الدولة خطت خطوات عملاقة في مسار التكفل بمختلف هذه الحالات، إلا أنّ دور المجتمع في هذه القضايا يبقى مطلوبا ولابد من تفعيله.