تشيع في أدبياتنا كثير من التقاليد ذات البعد التكريمي، بل ويندر أن يخلو أي محفل ثقافي أو اجتماعي من خصوصيات التكريم. والجوائز في رهاناتها، سواء أكانت مقنّنة أو غير مقننة تمارس في حياة الفئة المثقفة نوعاً من الجلبة، ليس فقط عند متصدّريها من النخب، بل وحتى لدى عموم الناس. مثلما هو الشأن في المباريات الرياضية. ويحدث هذا التفاعل لتأكيد فاعلية الحدث محلّ الرهان، ولا سيما الجوائز الكبرى في المحافل الأدبية الدولية، مثل جائزة نوبل للآداب، والجائزة العالمية للرواية العربية، وكتارا القطرية والطيب صالح العالمية، وسعاد الصباح الكويتية ونجيب محفوط المصرية، وآسيا جبّار الجزائرية وقبلها محمد ديب ومالك حدّاد.. إن هذا التعدُّد أسهمت في إعلائه الآلة الإعلامية المكتوبة والمرئية، إذ حظي في بعض الفضائيات بتخصيص حصص أسبوعية تختص بمحاورة كتاب الأعمال الفائزة، ومقاربة نصوصهم من خلال دعوة نقاد ومنظرين لهم باع طويل في اختبار جماليات التلقي، ومختبرات سبر المقروئية من منظور سوسيولوجي. على الرغم من تضارب القيمة المطلقة، التي على أساسها يكافئ جمهور القراء العمل الفائز بالجائزة، لأنه ثمّة شروط أساسية التزم بها الناشر والمؤلف والمكرِّم، وحدّدت فيها حصة كل واحد منهما في هذا التكريم الأدبي. فإن الفارئ ملزم بمسايرة هدا التتويج، بل ولعلّه يدور في تفكير الكثير من القراء، سواء أكانوا أساتذة أم طلبة، أن العمل المنشور بقدر ما استحق الجائزة فإنه حريٌّ بمختبرات الترجمة ومواقع التواصل الإجتماعي أن تحفل به وتوزعه في نسخ إلكترونية. ومن ثم نغض الطرف عن ثقافة (الكيتش) التي تساوي بين القبيح والجليل، بين الضحل والعميق، بل وتنتصر لهذه المحدّدات بوصفها مكسباً حضارياً وتعليمياً، وإجمالاً تجملها في مسار التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية. وفي ظلّ هذا الحصاد الذي تشهده الجوائز الأدبية عربيا وجزائرياً، ليس بالضرورة أن يكون كله هشيماً، بل أثمّن المنجز في كونه جدّد المقروئية على صُعُدٍ مختلفة، ومكّن لفئة الشباب ممن حاصرتهم الفاقة في طبع مؤلفاتهم، من اعتلاء المشهد الثقافي العربي في سن مبكرة، بل وإنه لتخصّص ندوات وأيام دراسية للمنشورات الشبابية في الجامعات الجزائرية. أذكر أن مركز الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية (كراسك) خصّص ندوة لرواية (خطوة في الجسد) لحسين علام، الفائزة بجائزة مالك حدّاد. ينضاف إلى ذلك أن مشاريع البحوث في الجامعات، تدأب على توجيه الطلبة في الماستر والدكتوراه إلى الوقوف على المطبوع الجديد في جنس الرواية، أولا بحكم تخصص بعض المشاريع في الرواية المغاربية، أو الرواية المكتوبة باللسان الفرنسي، ثانياً بحكم أن أعمال بن هدوقة ووطار وبوجدرة وأحلام مستغانمي ووواسيني الأعرج وأمين الزاوي أشبعت درساً واشتغالاً نقدياً، ومن ثم وجب نصح الطلبة بمقاربة أعمال جيل ما بعد أدب المحنة، مثل كتابات عبد الوهاب بن منصور، وعاشة بنور ونسيمة بوصلاح، وياسمينة صالح، وبشير مفتي، وسمير قسيمي واسماعيل يبرير، وسارة النمس وكمال قرور ومراد بوكرزازة.. وحتى في الشعر أسماء مثل الأخضر بركة وعيسى قارف وأحمد عبد الكريم وعمار مرياش وميلود حكيم وميلود خيزار وعاشور فني والخضر شودار والطيب لسلوس وآمال رقايق ولميس سعيدي والميداني بن عمر وخالد بن صالح وسليمى رحال.. فيما يختص بالجوائز النقدية أظن من جيلي أعتد بتجربة يوسف وغليسي الحائز على جائزة الشيخ زايد عن أطروحته (إشكالية المصطلح في النقد العربي). لكن يوجد اشتغال أكاديمي على كفاءات نقدية لها حضورها عربيا ودولياً مثل الناقد أحمد يوسف والزواوي بغورة وابراهيم رماني والسعيد بوطاجين وآمنة بلعلى، ومحمد شوقي الزين وأحمد بوعلام دلباني وعبد القادر رابحي.. من موقعي في الجامعة وبحكم اشتغالي على الجماليات البصرية صرت أشرف على مذكرات ماستر تدرس هندسة الكتابة الشعرية مثل ملصقات عزالدين ميهوبي، وشجر الكلام لربيعة جلطي ونوارة لهبيلة لزينب لعوج وانشطارات عياش يحياوي وأنطق عن الهوى لعبد الله حمادي.. لكن التوجيه وحده لا يكفي، لأن الطالب الباحث عادة ما يقف أمام عقبات كأداء لعدم تواصل المكتبات الجامعية مع مصادر نشر وتوزيع هذه المؤلفات، ولكون كليات الآداب تغرق رفوفها بالمنجز النقدي على حساب المنجز الإبداعي. ناهيك عن طغيان الدراسات النحوية واللسانية ذات البعد الديداكتيكي. بينما يظل ديوان المطبوعات الجامعية قفراً بهياكله من المنشور الإبداعي الجديد.