تراجعت، واردات الجزائر من المواد الغذائية بصفة محسوسة خلال الأشهر الأخيرة، وزادت في التراجع في شهر أوت المنصرم، وجاءت ترجمة لجهود وطنية كبيرة انصبت على التقليل قدر الممكن من التبعية الغذائية إلى الخارج وما يحدثه من تداعيات سلبية وضغط وحسب الإحصاءات الجديدة، فان استيراد المواد الغذائية قد تقلص إلى النصف تقريبا في شهر أوت بعدما كانت في أعلى المراتب خلال نفس الحقبة من العام الماضي، وقدرت قيمتها ب 402 مليون دولار بدل 749 مليون، مسجلة انخفاضا كبيرا يفوق 46 في المائة. وكانت مسألة تخفيض التبعية الغذائية إلى الخارج من أولويات السياسة الوطنية التي قررت الاستثمار في القطاع الفلاحي وتجديد الريف تطبيقا للقانون التوجيهي، وهو القانون الذي يمنح امتيازات موسعة لخدمة الأرض وتنوع محاصيلها، جريا وراء الوفرة التي تحققت لأول مرة هذا الموسم بعد سنين عجاف وحالة ندرة وكساد طالت. وقد ألقى محصول إنتاج 61 مليون قنطار من الحبوب ارتياحا في الوسط الفلاحي، واعتبر ذا مدلول إنمائي مهم يترجم نجاعة السياسة المنتهجة في الفلاحة التي كانت على الدوام مرجعا لخلق الثروة والقيمة المضافة والعمل. ونظر لهذه الوفرة التي وان مازالت بعيدة على الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي، خطوة إستراتيجية في تكسير التبعية للخارج وما تحمله من إملاءات واكراهات ترهن القرار الوطني وتضع السيادة محل المساومة. وذكر الديوان الوطني للإحصاء الذي أعطى صورة دقيقة عن وضعية النشاط التجاري الجزائري، لا سيما في شق الواردات، كيف ارتفعت منتجات كان من الأجدر إنتاجها وتصديرها دون الاكتفاء بتلبية الحاجات الوطنية، ولماذا عجزت قطاعات في الحفاظ على وتيرة الإنتاج التي عوضت بالطريقة السهلة المهلة: الاستيراد. وتكشف هذه الأمور وتوضحها بصورة دقيقة وشفافة لا تقبل التأويل والمزايدة حالة إنتاج اللحوم التي لم تبلغ الهدف الأسمى، وظلت تستورد بنسبة كبيرة لسد الخلل والفجوة، فقد أكدت الإحصاءات أن واردات اللحوم لا زالت في مستوى عال يثير القلق والانشغال ويعيد السؤال المحير، هل الإبقاء على هذه الوضعية قدرا محتوما على الجزائر التي تملك مساحات شاسعة لتربية المواشي والأبقار والدواجن وما يتبعها. ولماذا لم تنجح السياسة الوطنية في كسب رهان الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية بمختلف تشكيلاتها وألوانها، والى متى يبقى خيار الاستيراد قائما بعد التحفيزات الاستثمارية الكبيرة والإغراءات الجبائية والبنكية آخرها مسح مديونية الفلاحين ومربي الثروة الحيوانية، وهي تحفيزات لا بد أن تلاقي مزيدا من الجهد على مستوى المعنيين بالإنتاج بدل أن تخلق سماسرة من نوع آخر يستمرون في رفع الأسعار إلى أعلى المستويات وفق المصلحة الضيقة والجري وراء تكديس ثروة بلا وجه حق. وطبيعي أن تكون الندرة التي يتعمدها هؤلاء عن قصد تولد هذا السلوك الجشع الذي يبقي الجزائريين رهن تلاعب مضاربة غير مبررة ينكشف أمرها في كل موسم ويعجل بالسؤال المحير، ماذا بعد هذا الغلاء الجنوني المتمادي في المواد الاستهلاكية الغذائية المنتجة بدعم لا محدود من الصناديق العمومية دون بلوغ النتيجة المرجوة؟ وكيف تهوى الأسعار في أكثر من بقعة عالمية بفعل الأزمة المالية وتبقي بلا تغيير في أعلى المستويات بالجزائر مسجلة حالة من التمايز والاستثناء؟.