في الفاتح من نوفمبر ، ولما شرع باب الحرية في ذلك اليوم على الجزائر التي كانت تئن تعباً ،وتنزف دماً خلف ذاك الباب الفولاذي البارد حتى انفتح ،كان حدٌ فاصلٌ بين زمنين لا يمكن أن يلد احدهما إلا الآخر ، موت إذن حياة ،وحياةٌ إذنً موت، فرح اليوم في الواقع هو حزن الأمس . الماضي العادي يذهب ولا يعود،إلا إذا كان زمناً صنعت فيه المعجزات التي تملك قوة الخلود ..... و التي تدهش الإنسان عندما يتذكرها متسائلاً ، أصحيح أن من فعلها هو نحن ، أإلى هذا الحد متنا حتى نبقى أحياء ، أإلى ذلك الحد سحقت هويتنا وضيعت لنجدها في صبيحة ذاك اليوم بين أيدينا ، وفي وجوهنا وقلبنا... تلك كانت الجزائر التي عادت لتبعث من الغبار والنار و الماء و الهواء في ميلاد جديد ، طاهر معمر بأرواح الشهداء المعلقة على درب طويل أوصلت بلدهم المعذب إلى الخلاص بالحرية . لابد أن ذلك التاريخ الطويل المتوج بالفاتح من نوفمبر سيبقى عابراً للزمن ،للمستقبل، ليظل حاضراً فاعلاً في شخصية الجزائر وشعبها، كل يحمل روح تلك الثورة وقياداتها وجنودها العاديون ، يحملها معه ،لأنها هو، لأنها اشرف ما فيه . لقد أنارت الثورة الجزائرية العظيمة آفاقاً واسعة ، هزت ضمير محبي الحرية في العالم ، وأعطت نموذجاً يقول للشعوب المستعبدة ، صعبٌ نعم ، يشبه المستحيل ، لكنه كما ترون ممكن التحقيق ، لقد كان الفلسطينيون و الفلسطينيات في تلك الأيام يقفون أمام بنايات مدارسهم ينشدون كل يوم صباحاً نشيد الجزائر ، كانوا يشعرون أيضاً انه منهم و لهم. وسيظل الفلسطينيون يمشون على درب الحرية حتى الانتصار بالحرية و رفع رايتها في سماء القدس ، والى ذلك الحين ، وفي كل حين ، لكم في الجزائر أرضاً و قيادة وشعباً، تحية من فلسطين.