توضح نتائج الانتخابات التشريعية في ألمانيا والتي فاز بها التحالف المسيحي الحاكم مسجلا تراجعا ملحوظا مقارنة مع انتخابات 2013، طبيعة التحديات التي تواجهها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بداية بتشكيل الحكومة المقبلة وكذا تحقيق التوافق بشأن الأزمات التي تعرفها أوروبا وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية وأزمة الهجرة واللجوء بالإضافة إلى التهديدات الأمنية. وأسفرت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي، عن فوز التحالف المسيحي الحاكم الذي يضم كلا من “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” وحليفه البافاري “الاتحاد المسيحي الاجتماعي” ب33 من المئة من الأصوات، وهي نتيجة أقل ب8.5 من المئة مقارنة بانتخابات عام 2013، بينما جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المركز الثاني بحصوله على 20.5 من المئة من الأصوات، في حين سجل حزب اليمين المتطرف “البديل من أجل ألمانيا” المفاجأة بحصوله على المركز الثالث بنسبة 12.7 من المئة من الأصوات وهو ما يعادل 3 أضعاف نتيجته في 2013، ثم الحزب الديمقراطي الحر بنسبة 10.5 من المئة، وحزب الخضر بنسبة 9 من المئة من إجمال الأصوات. وتدل هذه النتائج على صعوبة تحقيق توافق بين هذه القوى السياسية في ألمانيا خاصة بعدما أعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي رفضه الدخول في ائتلاف حكومي جديد مع ميركل وانضمامه إلى صفوف المعارضة، فضلا عن المواقف المتطرفة لحزب “البديل من أجل ألمانيا” المناهض للهجرة والذي تأسس قبل 4 سنوات فقط. وأمام هذا الوضع ستدخل انجيلا ميركل باعتبارها زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي منذ عام 2000 والمستشارة منذ 2005 في مفاوضات تشكيل حكومة جديدة يفترض أن تتم خلال أقل من شهرين وهي المهمة التي ستكون صعبة في ظل وجود العديد من القضايا الخلافية بين الأحزاب الثلاثة أهمها قضايا الهجرة حيث يسعى الحزب الليبرالي لسن قانون للهجرة لجذب الكفاءات العلمية وهو ما يرفضه حزب الخضر الذي يطالب بدمج اللاجئين في سوق العمل. كما تختلف آراء الأحزاب الفائزة في سياسات الطاقة وحماية المناخ حيث يطالب حزب الخضر بإغلاق 20 مفاعلا نوويا والاعتماد على الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء بحلول عام 2030 وهو ما ترفضه الأحزاب الأخرى، كذلك تشكل سياسة الضرائب قضية خلافية حيث يطالب حزب الخضر بزيادة الضرائب على كل من يتجاوز دخله السنوي 100 ألف يورو وهو ما يلاقي اعتراضا من قبل الحزب الليبرالي وحزب وبهذا الخصوصي اوضحت ميركل أنها “تعتزم التوصل إلى حكومة مستقرة” نافية عزمها تشكيل “حكومة أقلية” في البلاد، محذرة في نفس الوقت من أن “كافة التكهنات بانتخابات جديدة هي استهانة بأصوات الناخبين”، معتبره أن فوز حزب البديل اليميني بالمركز الثالث في البرلمان يعتبر “تحديا كبيرا”، مؤكدة عزم التحالف الذي تقوده على القيام بتصحيح الأخطاء لجذب الناخبين ممن صوتوا لليمين. من جانبه، قال نائب رئيس “حزب البديل” ألكسندر غاولاند، إن حزبه يريد “سياسة مختلفة بشأن اللاجئين والمهاجرين”، معتبرا أن حزبه انتُخِب من أجل “معالجة” قضايا الهجرة “دون هوادة”. نتائج الانتخابات ستلقي بظلالها على أوروبا كاملة على الصعيد الأوروبي، أشارت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في مقال بعنوان “على ميركل التوصل لاتفاق لأن مستقبل أوروبا يعتمد على ذلك”، إلى أن “نتائج هذه الانتخابات ستلقي بظلالها على ما أنجزته أوروبا على مدى 60 عاماً مضت”، معتبرة أن إعادة انتخاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد استقبال البلاد لأكثر من مليون لاجئ، “يعكس أمرا هاما بشأن استقرار ألمانيا ومرونتها”. من جانبها، أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن “تداعيات الانتخابات الألمانية على أوروبا ربما تكون واسعة ومتنوعة، فبعد أن اعتمدت القارة طويلا على ميركل خلال الأوقات العصيبة، أصبحت تقف أمام حقيقة تظهر أن يديها الثابتة ربما لا تعد مثلما كانت عليه في الماضي”. وتابعت إن “توقيت تعثر ميركل شكل صعوبات، خاصة لأولئك الذين كانوا يتطلعون للفترة التي تعقب الانتخابات الألمانية، باعتبارها أنسب وقت لدمج أوروبا بشكل أكثر صرامة وتعزيز مؤسساتها المتعرجة التي تئنّ من تكرار الأزمات”. كما أبرزت الصحيفة الأمريكية أهمية “قوة ميركل داخل الاتحاد الأوروبي ومدى تأثير صوتها على العديد من القضايا، بدءاً من مسألة تحديد مصير اليونان داخل منطقة اليورو وكذا العقوبات ضد روسيا حتى تمكنت من سحق منافسيها وتحقيق الريادة الحاسمة في تنفيذ القرارات التي تمس حياة نصف مليار مواطن أوروبي تابعين للكتلة التي تضم 28 بلدا.