أرسلت الجماهير الجزائرية العريضة أول أمس، بمناسبة لقاء المنتخب الوطني ونظيره الإيرلندي في العاصمة دبلن، رسالة مشفرة إلى مناصري المنتخبات المشاركة في المونديال وخاصة تلك التي ستواجه الجزائر مباشرة في المجموعة الثالثة ونقصد بها الجماهير الأمريكية، الإنجليزية والسلوفينية، مؤكدة أنها ستكون "رقم واحد" في جنوب إفريقيا، حيث صنع الجزائريون أجواء غير عادية لم تعشها إيرلندا حتى عندما كانت تلعب تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم، وذلك بامتلاء الملعب عن آخره بالجزائريين الذين قدموا من كامل أنحاء العالم حتى من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم يتركوا إلا مكانا صغيرا للإيرلنديين الذين ذُهلوا لما شاهدوه من تشجيع منقطع النظير ومن الألعاب النارية بالإضافة إلى "الفيميجان" التي أشعلت لأول مرة في تلك الملاعب، وهو ما طمأن التشكيلة الجزائرية التي ستسافر إلى جنوب إفريقيا وهي تعلم أن وراءها جيشا من المناصرين. الجزائريون في كل مكان بالآلاف وفي جنوب إفريقيا سعدان "ماكالاه يخاف" وكعادتهم، يحضّر الجمهور الجزائري للتنقل إلى جنوب إفريقيا من أجل مساندة "محاربي الصحراء" في مهمتهم الصعبة نوعا ما، في ظل تواجد الإنجليز والأمريكان في نفس مجموعة الخضر، حيث لا يدور الحديث في هذه الأيام إلا عن كيفية التنقل الذي سيكون كبيرا من دون شك، لأن الجزائريين عازمون على الحضور وبقوة من جميع أنحاء العالم ليثبتوا للجميع أنهم الرقم واحد عالميا في التنقلات الضخمة بين البلدان لأنهم "جمهور عابر للقارات" ويعتبر مشاهدة "محاربي الصحراء" على شاشات التلفاز أمرا غير مقبول إطلاقا، لذا على سعدان أن يركز على العمل الميداني ويترك المدرجات والتشجيع لهم. نحن أسياد التنقلات الضخمة ومن لا يعرف الجزائر يسأل المصريين والإنجليز وواصلت الجماهير الجزائرية تعليقاتها على القوة الكبيرة التي يتميز بها مناصرو الخضر، بأنه لا يوجد في العالم من لا يعرف الجزائر أو جمهورها، ناصحين اللاعب واين روني ورفقائه بعدم الحديث عنها كثيرا لكي لا يصدم بأي ردة فعل قد يقومون بها اتجاه الإنجليز، خاصة أنهم لا يعرفون الجمهور الجزائري جيدا، لذا فمن الأفضل أن يسألوا أصدقاءهم المصريين لأنهم أدرى الشعوب الآن بما قد يفعله الجزائري بكل شخص يستهزئ به أو بفريقه وبالطرق الحضارية التي لا يستطيع القيام بها إلا أحفاد الثوار الذين تنقل منهم 15 ألف إلى السودان، قبل أن يعودوا بعد 3 أيام إلى الجزائر بورقة التأهل إلى المونديال والتي أنهت معاناة شعب كان يريد أن يرد على ظلم المصريين فتمكن من تحقيق ذلك بأرقى الطرق الحضارية ومعنى الروح الرياضية. روني لا يعرف الجزائر لأن عمره كان 10 سنوات يوم أدب "الثوار" الإنجليز في مرسيليا وقد حاول روني، الحط من قيمة الجزائر حين قال إنه لا يعرفها ولاعبيها، متناسيا إعجابه المتواصل بالظاهرة الجزائرية نذير بلحاج والذي يثني عليه في كل مرة يلتقي فيها بورتسموث بمانشستر يونايتد، إضافة إلى أنه يعرف عامر بوعزة جيدا، يوم تحدث عن الهدف الأسطوري الذي سجله في مرمى فانديرسار، فهو أراد من خلال ذلك أن يقول للعالم إنه لا يعرف أحدا لأن العالم هو الذي يفترض عليه معرفة روني وفريقه الإنجليزي الذي لم يفز حتى بكأس أمم أوروبا للأمم بل وصار غير قادر على التأهل لهذه المنافسة التي فازت بها اليونان في 2004، لكن هذا اللاعب معذور لأنه هادا وين جا لدنيتو" ولا يعرف أن المنتخب الجزائري الذي يتجاهله يهزم في كل مرة المنتخبات المرشحة في شاكلة ألمانيا في مونديال 1982، الكاميرون في 1990 والمنتخب المصري في 2010، وهو من يملك لاعبين صنعوا للتاريخ مجدا كماجر مع بورتو وأفضل لاعب لكل الأوقات زين الدين زيدان الجزائري، كما أنه لا يجب أن نلومه على جهله لعظمة الجمهور الجزائري لأن عمره كان 10 سنوات لمّا تعلم الانجليز كيف يحترمون جماهير المنتخبات الأخرى، حيث كان العلم التونسي آخر علم يحرقونه قبل أن يؤدبهم جزائريو مرسيليا. لا تقارنونا بجماهير أمريكا اللاتينية لأنها "كي الحوت تخرج من بلادها تموت" ورفضت الجماهير الجزائرية في العديد من المرات تشبيهها من طرف الصحافة المحلية والعالمية بتلك الموجودة في الأرجنتين والبرازيل، لأن هؤلاء وعلى الرغم من أن لهم تقاليد عريقة في تشجيع فرقهم بشكل أبهر العالم من خلال اللوحات الفنية الرائعة والألعاب النارية الفريدة من نوعها، إلا أنهم لا ينقلون تلك المناظر إلا على شاشات التلفاز فقط، فمتى سمعنا أن جمهور الأرجنتين أو البرازيل تنقل مع فريقه إلى دولة أخرى، فكل ما نشاهده من استقبال في الدول التي تحل فيها هذه المنتخبات هو من أجل ميسي أو كاكا وغيرهما من النجوم، لكن الجمهور الجزائري يتنقل بقوة وإلى أقصى المناطق من أجل منتخبه، فهو موجود حتى في القطب الشمالي. علّمنا الألمان النزاهة والمصريين احترام الشعوب فماذا تريدون أن تتعلموا بعد؟! من بين المميزات الفريدة من نوعها التي يتمتع بها الجمهور الجزائري، أنه لا يبخل على أي أحد بكل ما يمتلكه من أشياء جميلة، فهو إلى حد الآن يعطي الدروس والعبر لمشجعي البلدان الأخرى، لأنه الجمهور الوحيد الذي تخلص من الجهوية بين مناصريه على عكس الإسبانيين مثلا الذين يعانون من صراع "كاتالونيا " و"الإسبانيول"، وفي فرنسا بين "الباريزيان" و"المارسييه"، كما أن الكثير من جماهير المنتخبات تعلمت من الجزائريين اللعب بنزاهة وعلى رأسهم ألمانيا التي لازال لاعبو منتخبها يعتذرون للجزائر إلى يومنا هذا، دون نسيان المصريين الذين شتموا كل رموز الدولة الجزائرية، ليصمتوا بعد أن تأكدوا أن احترام الشعوب هو الحل الوحيد لتجنب غضبها بدلا من سب شهدائها على القنوات. الجزائريون ملأوا نصف ملعب فرنسا الدولي في لقائهم الودي مع الديكة وبالرجوع قليلا إلى الوراء و بالضبط يوم لعب المنتخب الجزائري مع نظيره الفرنسي بطل أوروبا والعالم وديا في 2001 بملعب فرنسا، أين كان كل العالم ينتظر تلك المباراة التي لعبت بخلفيات تاريخية على أساس أن الجزائر أخرجت الفرنسيين من ترابها بالقوة خلال 7 سنوات من الحرب، إلا أن اللقاء كان بعيدا عن كل ذلك وحضر ما يقارب 40 ألف مناصر جزائري إلى "سان دوني"، أين شجعوا منتخبهم بدون انقطاع قبل أن يقتحموا أرضية الملعب ويوقفوا اللقاء الذي لم يكتمل بأمر من الحكم الرئيسي، لتعم بعد ذلك فرحة عارمة شوارع العاصمة باريس بغض النظر عن نتيجة اللقاء. 40 ألف جزائري في لقاء البرازيل "هولوا" ملعب مونبيليه واصل الجزائريون تحطيمهم لكل الأرقام القياسية في التنقلات خارج ملعبهم في اللقاء التاريخي الذي جمع "محاربي الصحراء" بمنتخب "السامبا" في ملعب مونبيلييه الفرنسية، فرغم أن هذا الملعب يتسع لأكثر من 40 ألف متفرج، إلا أنه لم يستطع استيعاب كل الجماهير التي تمنت اللعب في "الفيلودروم"، وبقي نصفهم خارج الملعب، وبالعودة إلى اللقاء الذي انتهى بفوز البرازيل بهدفين نظيفين، فإن المنتخب الجزائري كان رائعا يومها بشهادة "كاكا" و"رونالدينيو" اللذين انبهرا بما شاهداه على الميدان وفوق المدرجات، لأن البرازيل ورغم شهرتها إلا أنها لم تلعب يوما في أوروبا أمام ذلك الكم الهائل من المتفرجين وكذا بمستوى اللاعبين خاصة زياني وبلحاج، اللذان عبثا بالجميع، ليبقى الجمهور الجزائري فريدا من نوعه. الجزائر ترفض دخول تنقل أم درمان كتاب "ڤينيس" لأنه أكبر من أن يدفن بين صفحتين وجاءت سنة 2009 لتشهد أكبر تنقل في تاريخ كرة القدم، لما تنقل 15 ألف جزائري قاطعين مسافة 12 ألف كلم ذهابا وإيابا لمشاهدة اللقاء الفاصل بين مصر والجزائر بمدينة الخرطوم السودانية، بعد أن تكفلت الدولة بنقلهم في الطائرات الخاصة بالخطوط الجزائرية، خاصة بعد الذي تعرضوا له من ظلم في القاهرة، أين تم الاعتداء على المنتخب الجزائري إصابة لاعبيه والاعتداء على الأنصار من طرف الجماهير المصرية والشرطة، فما كان على الجمهور الجزائري إلا أن يرد على نظيره المصري بالفوز خارج أسوار ملعب القاهرة وبعيدا عن مكبرات الصوت وأجهزة الليزر التي توجه مباشرة في أعين حراس المرمى، ويعود بورقة التأهل إلى الجزائر أين كان ينتظره 2 مليون جزائري في العاصمة على رأسهم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ليشهد العالم كله قوة الجمهور الجزائري ويرفض تنقل أم درمان أن يدخل في كتاب ڤينيس لأنه أكبر من أن يدفن بين صفحتين. لما يلعب الخضر في الجزائر فآخر أمر يفكر فيه 35 مليون جزائري هو مشاهدة اللقاء في البيت في موقف يعكس مدى تعلق الجمهور الجزائري الكبير بمنتخب بلاده، فإن حالة طوارئ كبيرة تسود البلد لما يلعب "محاربو الصحراء" في إحدى المدن الجزائرية، حيث أن أول ما يفكر فيه المناصر هو في كيفية الحصول على تذاكر المباراة التي غالبا ما تنفذ في 4 ساعات، رغم أن سعة الملعب العادية هي 80 ألف ورغم غلاء التذاكر في السوق السوداء أين ترتفع من 300 إلى 5000 دج، فإن لا شيء يمنعهم من التنقل والوقوف لأزيد من 10 ساعات قبل الدخول إلى الملعب يوم اللقاء، والمشكلة أن جميع الجزائريين بمختلف أعمارهم يريدون الحضور ومشاهدة نجومهم المفضلين عن قرب، حيث تتحول عملية حضور المباراة من طرف الأنصار إلى مجرد محاولة، لعل وعسى أن يدخل أحدهم إلى الملعب، ويبقى النص مفتوحا للمزيد من الأحداث التي سيصنعها أنصارنا في جنوب إفريقيا مستقبلا.